زهران ممداني
زهران ممداني: قراءة تحليلية—معلوماتية استراتيجية لفوز يغيّر قواعد اللعبة
صحيفة بحر العرب - خاص
زهران ممداني: قراءة تحليلية—معلوماتية استراتيجية لفوز يغيّر قواعد اللعبة
مقدمة
في ليلة انتخابية أعادت تشكيل خريطة النفوذ السياسي في الولايات المتحدة، قَدَّم زهران ممداني نفسه ليس كمرشّحٍ عابرٍ، بل كخيارٍ منهجي لمدينةٍ تحت ضغط التكاليف الاجتماعية والاقتصادية. فوزه التاريخي —ليكون أول مسلم ويوناني من أصول جنوب آسيوية يتولّى منصب عمدة نيويورك— لا يمثّل مجرد تبدّلٍ رمزي، بل فتحاً لمرحلةٍ تتطلب استراتيجيات تنفيذٍ دقيقة، توازن بين الضغوط المالية والآمال الاجتماعية.
1. التمايز البرنامجي: من الوعود إلى أدوات السياسة
إطار ممداني الانتخابي يركّز على خمسة محاور واضحة: تجميد الإيجارات وبناء إسكان ميسّر، نقل عام مجاني (حافلات مجانية)، رفع الحد الأدنى للأجور، ضرائب تصاعدية لتمويل الخدمات، وبرامج رعاية اجتماعية مثل رعاية الأطفال. هذه الباقات ليست عشوائية؛ إنها محاولة لصياغة حل متكامل لرفع تكلفة العيش في مدينة كثيفة الموارد ومكلفة في آنٍ واحد.
تحليل الأدوات:
•تجميد الإيجارات يقدّم راحةً فورية للمتأثرين، لكنه يضعف إشارة السوق لأرباح الملاك ويخاطر بتقليل الاستثمار طويل الأمد في الصيانة.
•حافلات مجانية تُخفّض العبء اليومي على الأسر وتحفّز التنقّل العام، لكن تطبيقها يتطلّب بدائل تمويلية مستدامة وديناميكية للتعامل مع زيادة الطلب.
2. بنية التحالف السياسي والاستراتيجية الانتخابية
نجاح ممداني لم يأتِ من فراغ: كان نتاجاً لحشدٍ شبابي متراكم، بنى قواعد دعمه في أحياء متعددة، واستثمر في الرسائل الرقمية والتمويل الشعبي. هذا الحشد يشكّل طاقةً قيّمةً لمرحلة التنفيذ، لكنه يضع أيضاً ضغوطًا زمنية—ناخبون شباب يتوقّعون نتائج سريعة. فاز ممداني أيضاً بفضل تحالفاتٍ مع قوائم تقدمية وشخصيات بارزة داخل الحزب الديمقراطي، ما منحه شرعيةً وحصانةً جزئية أمام خصومه التقليديين.
3. منطق التمويل: معضلة الاستدامة بين الطموح والواقعية
السياسات الطموحة تتطلّب موارد متجددة: إما زيادة الإيرادات (ضرائب على الأغنياء والشركات)، أو إعادة تخصيص الميزانيات، أو مزيج من تدخلات اتحادية ومحلية. الخطر هنا مزدوج: الأول اقتصادي —ارتفاع الضرائب قد يُضعف النشاط التجاري أو يدفع به إلى تكيفات تقلّل الوظائف؛ والثاني سياسي —معارضة مصالح قوية يمكن أن تعرقل التشريعات أو الاستثمار. لذلك، تحتاج الإدارة الجديدة إلى خطة مالية مرحلية: موازنات مؤقتة، صناديق استثمار اجتماعيّ، وشراكات عامة-خاصة مع آليات محكمة للحوكمة والشفافية.
4. أولويات تنفيذية مقترحة: خارطة طريق 18 شهراً
لتقليل مخاطر الفشل المبكر، نقترح خارطة تنفيذٍ مرحلية مركّزة ومقاسة بالنتائج:
1.شهران — الإعلان عن حزمة إنقاذ إسكان مؤقتة: تجميد محدد للإيجارات للشرائح الأشد تأثراً مع استثناءات موقتة للحفاظ على الصيانة والإصلاح الطارئ. وضع آلية تعويضات لأصحاب المساكن الصغيرة المتأثرين.
2.6 أشهر — إطلاق برنامج الحافلات المجانية تجريبياً: حصر خطوط تجريبية في أحياء ذات كثافة مُحددة، قياس التغيير في الطلب، وجمع بيانات التكلفة الحقيقية قبل التوسّع.
3.12 شهراً — خطة إسكان تكافلية: تسريع تراخيص بناء الإسكان الميسر عبر تبسيط الإجراءات، والحوافز للمطورين المتعاقدين على حصص إسكان ميسّر.
4.18 شهراً — حزمة ضرائب تدريجية مع حماية الأعمال الصغيرة: فرض ضرائب تصاعدية على أرباح كبيرة وتسييل أجزاء من أصول المدينة التي لا تؤثر على الخدمات الأساسية لتمويل البرامج الاجتماعية.
هذه الخريطة ترتكز على مبدأين: التجريب (pilot → قياس → توسيع) والمرونة (مرونة تمويلية وتشريعية).
5. مخاطِر سياسية واجتماعية يجب إدارتها بحرفية
•مقاومة الملاك وقطاع العقارات: يستلزم التواصل المفتوح والحوافز التعويضية، وإلاّ ستواجه السياسات طعنات قضائية أو تعطيلات تنفيذية.
•صبر الجمهور: الفوز بالوعود لا يوازي تفعيل النتائج؛ لذلك، تواصل شفاف شهري مع مؤشرات أداء (KPI) سيحافظ على ثقة الناخبين.
•استغلال المعارضة سياسياً: خصوم ممداني سيمارسون ضغطاً إعلامياً وقانونياً؛ لذا يجب أن تكون الفرق القانونية والسياسية جاهزة للرد التكتيكي والمدروس.
6. الدرس الجيوسياسي والرمزي: المدينة كمنصة عالمية
فوز ممداني يبعث رسالة دولية حول تنوّع العاصمة الاقتصادية والثقافية؛ لكنه أيضاً يجعل من نيويورك مختبَرًا لسياسات تقدّمية قد تُقاس عالمياً. لذلك، على إدارته أن تستثمر هذا البعد: شراكات مع مدنٍ عالمية ذات سياسات اسكانية ونقل ناجحة، واستقطاب منتديات استثمارية توازن بين الرسائل المحلية والفرص الدولية.
7. توصيات استراتيجية قصيرة وبنّاءة
1.قياس النتائج بشفافية: نشر تقارير ربع سنوية عن تأثير تجميد الإيجارات، تكاليف النقل المجاني، وعدد الوحدات الإسكانية المضافة.
2.بناء ائتلاف تنفيذي وسياسي: إشراك ممثلين عن الملاك الصغار، الاتحادات العمالية، وممثلي الحيّز التقني لوضع حلول عملية قابلة للتنفيذ.
3.برامج تواصل ذكية: حملات توعوية تُظهر فوائد السياسات قصيرة ومتوسّطة الأمد للمجتمع ككل، لا مجرد وعود انتخابية.
4.الاعتماد على التجريب والبيانات: لا تقم بالتوسّع الوطنيّ قبل إثبات النموذج على نطاقٍ محليٍّ محدود.
خلاصة رمزية ــ استراتيجية
زهران ممداني لا يرث مدينةً فقط، بل ورشةً كبيرةً من التراكمات الاقتصادية والاجتماعية. فوزٌ بهذا الحجم يفتح فرصة نادرة — لكنه لا يضمن النجاح. الطريق إلى جعل نيويورك نموذجاً جديداً للعدالة الاقتصادية تتطلب فنَّ الإدارة السياسية بقدر ما تطلب صرامة السياسات الاقتصادية. إن نجح، سيُسجَّل اسمه في كتب التجديد الحضري؛ وإن فشل، فستكون الدروس لخصومه وقصاصي التحليل على حدٍّ سواء. المهمّ أن تتحوّل البهجة والرمزية إلى مؤشراتٍ قابلةٍ للقياس، وخطّطٍ مُقنّنةٍ، وتحالفاتٍ تكتيكيةٍ تُحرّك المدينة من شعارٍ إلى واقعٍ ملموس.