من السلاح إلى صناديق الاقتراع.. هل تنجح الميليشيات العراقية في تحويل نفوذها إلى شرعية انتخابية؟
صحيفة بحر العرب - خاص
بحرالعرب_متابعات:
رأى مراقبون أن مشاركة الميليشيات المسلحة العراقية في الانتخابات البرلمانية تمثل تحولا في نهجها السياسي؛ إذ تسعى إلى ترسيخ وجودها داخل المشهد العام عبر الأجنحة السياسية التي أسستها، بعد سنوات من الاعتماد على القوة الميدانية والنفوذ العسكري، الذي تراجع بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية.
وتسعى هذه الفصائل، التي سبق أن شاركت في العملية السياسية بتمثيل محدود، إلى خوض الانتخابات المقبلة بترتيبات أوسع، بعدما أعلنت غالبية قياداتها دعمها لكتل وأحزاب قائمة أو تسجيل كيانات جديدة تحمل طابعا مدنيا لتعزيز حضورها في المشهد الانتخابي.
وتشمل قائمة أبرز المشاركين منها، منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الإمام علي، وحركة أنصار الله الأوفياء، وسرايا عاشوراء، وجند الإمام، وبابليون، وحشد الشبك، فيما تستعد حركة "حقوق" المرتبطة بكتائب حزب الله لخوض المنافسة بمرشحين في محافظات عدة.
ويُنظر إلى هذه المشاركة بوصفها خطوة تهدف إلى ترسيخ الوجود السياسي لتلك الميليشيات داخل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، في وقت يشهد فيه العراق تغيراً تدريجياً في ميزان القوة خاصة مع توسع نفوذ ائتلاف "الإعمار والتنمية" الذي يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وانخراط بعض الجهات المحسوبة على “المقاومة” ضمن تحالفاته الانتخابية.
مناورة لضمان المصالح
في هذا السياق، رأى الباحث في الشأن السياسي عبدالغني الغضبان أن الفصائل المسلحة وبعد أن استشعرت بأن وجودها العسكري بهذه الكيفية يشكل خطراً عليها أولا وعلى الإطار التنسيقي ثانياً وعلى المصالح الإيرانية داخل الجغرافية العراقية ثالثاً، لجأت إلى خطوة المناورة عبر الدخول في المعترك السياسي والمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وأضاف الغضبان أن الجانب الإيراني وجّه هذه الفصائل بضرورة توسيع وجودها داخل قبة البرلمان ومفاصل الدولة لضمان استمرار تأثيرها من داخل النظام السياسي بدلا من خارجه؛ إذ ترى أن النفوذ التشريعي يمنحها قدرة على تمرير القوانين أو تعطيلها وفق مصالحها، في ظل استشعارها أن مرحلة حمل السلاح لم تعد آمنة أو مقبولة دولياً.
وتزامنت هذه التحركات مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، ومع زيادة وتيرة اللقاءات غير المعلنة بين قادة ميليشيات عراقية ومسؤولين إيرانيين، فضلا عن تحذيرات أمريكية متكررة من أي محاولات لإعادة تموضع الميليشيات داخل المشهد السياسي.
وتعتقد واشنطن أن دخول هذه الجماعات إلى البرلمان سيمنحها غطاءً قانونياً يحميها من المساءلة عن أنشطتها العسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج النفوذ المسلح في صيغة سياسية شرعية.
ويرى باحثون أن خريطة المنافسة الانتخابية الجديدة ستعكس تحالفات غير تقليدية بين أجنحة من الميليشيات المسلحة وشخصيات سياسية مدنية، خصوصاً في محافظات الجنوب وبغداد وديالى ونينوى، حيث تستثمر هذه الجماعات علاقاتها الاجتماعية والدينية لتوسيع حضورها الانتخابي، في وقت تضع فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها هذا المسار تحت رقابة دقيقة، وسط احتمالات لفرض قيود جديدة على بعض الكيانات التي تدرجها واشنطن في قوائم الإرهاب.
معادلة إقليمية
من جانبه، أوضح الخبير الأمني رياض الجبوري أن تحول الفصائل المسلحة إلى المسار الانتخابي لا يعني بالضرورة تخليها الكامل عن السلاح، بل يمثل نوعاً من تجديد النشاط ضمن النظام السياسي بهدف حماية وجودها وتوسيع نفوذها عبر أدوات مشروعة.
وأضاف الجبوري أن المعادلات الإقليمية الحالية، خصوصاً بعد صعود إدارة ترامب مجدداً وتزايد التنسيق الأمني بين بغداد وواشنطن، تدفع هذه الفصائل إلى التكيف مع المرحلة المقبلة من خلال القنوات السياسية، خشية أن تكون المرحلة القادمة أكثر صرامة تجاه السلاح المنفلت، لاسيما في حال مضي الحكومة العراقية في تطبيق برامج حصر السلاح وتقييد حركة الفصائل.
وبين أن بقاء بعض هذه الكيانات داخل التحالف الحاكم، أو ضمن تحالفات مقربة من رئيس الوزراء السوداني، يوفر لها مظلة مؤقتة، لكنها لن تكون كافية ما لم تُراجع استراتيجيتها الأمنية والعسكرية بما يتلاءم مع التغييرات في الموقفين الأميركي والإقليمي تجاه نشاطاتها.
وبحسب المؤشرات الأولية، فإن القوائم المدعومة من الفصائل المسلحة أنفقت مبالغ ضخمة في حملاتها الانتخابية، مستفيدة من شبكات التمويل التي راكمتها خلال الأعوام الماضية عبر شركات ومكاتب اقتصادية ومشاريع استثمارية داخل العراق وخارجه.
ويرى مراقبون أن هذه القوائم اعتمدت أساليب متعددة لاستمالة الناخبين، من بينها توزيع المساعدات، وتمويل المجالس العشائرية، وتوفير الخدمات في المناطق الفقيرة، في محاولة لتوسيع قاعدتها الشعبية رغم الاعتراضات الواسعة على استخدام المال السياسي في الدعاية الانتخابية.