بحث

بريطانيا تغلق أبواب لمّ الشمل… اللاجئون بين سياسة الانغلاق وأمل البقاء

الخميس 02/أكتوبر/2025 - الساعة: 10:22 ص

 

الحدث في ميزان الاستراتيجية

لندن – بحر العرب - خاص 

في خطوة وُصفت بأنها تحول نوعي في سياسة الهجرة البريطانية، أعلنت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر إنهاء العمل ببرنامج لمّ شمل عائلات اللاجئين، وهو البرنامج الذي شكّل لعقود إحدى الركائز الأساسية في سياسة استقبال الفارين من النزاعات. القرار لا يُقرأ بمعزل عن ديناميات داخلية ضاغطة، لكنه في الوقت نفسه يعكس أبعادًا دولية واستراتيجية أبعد من حدود المملكة المتحدة.

الأسباب والدوافع

1.ضغط داخلي متصاعد:

تصاعدت الانتقادات الشعبية في بريطانيا بسبب تدفق اللاجئين عبر القنوات القانونية وغير القانونية. الحزب الحاكم يواجه ضغوطًا من اليمين المحافظ الذي يدفع باتجاه تقييد الهجرة.

2.أولوية الإصلاح الاقتصادي:

الحكومة ترى أن تقليص أعداد القادمين الجدد جزء من استراتيجيتها لضبط النفقات العامة وتخفيف الضغط على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

3.الانسجام مع المزاج الأوروبي:

بريطانيا، رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، تتحرك في اتجاه يتماهى مع الموجة الأوروبية الصاعدة نحو تشديد القيود على الهجرة واللجوء، خصوصًا في ألمانيا، فرنسا، وإيطاليا.

الخفايا الاستراتيجية

•القرار ليس فقط استجابة لضغط انتخابي، بل محاولة لإعادة رسم صورة بريطانيا كدولة “انتقائية” في استقبال المهاجرين.

•إنهاء لمّ الشمل يعني تقليص جذور الاندماج الأسري، ما قد يضعف قدرة اللاجئين على الاستقرار طويل المدى ويجعل بقاءهم مؤقتًا أو هشًا.

•الحكومة تراهن على أن التشدد سيعيد لها جزءًا من الثقة الشعبية المفقودة، لكنه قد يفتح الباب أمام انتقادات أممية ومنظمات حقوق الإنسان.

الأهداف المعلنة

•ترشيد الهجرة: جعل اللجوء قائمًا على “الاستحقاق” والقدرة على الاندماج الاقتصادي.

•ضبط الأمن: تقليص فرص استغلال نظام لمّ الشمل في إدخال أفراد قد يُعتبرون تهديدًا.

•رسالة سياسية: تأكيد أن لندن لم تعد تتسامح مع ما يُنظر إليه كـ”ثغرات” في نظام الهجرة.

المآلات المحتملة

1.تصعيد حقوقي ودولي: منظمات اللاجئين والأمم المتحدة ستضغط على بريطانيا للعودة عن القرار أو تعديله.

2.ارتدادات اجتماعية: زيادة التوتر داخل الجاليات المهاجرة التي ستجد نفسها أمام جدار من القيود العائلية.

3.تأثير على العلاقات الأوروبية: رغم التقارب السياسي مع بروكسل، قد تواجه لندن انتقادات باعتبارها تدفع بمزيد من اللاجئين نحو دول الاتحاد.

4.سيناريو “الهجرة غير الشرعية”: التضييق على القنوات القانونية قد يدفع مزيدًا من العائلات إلى اللجوء لطرق غير مشروعة وخطيرة.

الحل في ميزان الإنسانية والسياسة

إذا كان قرار ستارمر يُفهم كاستجابة للضغوط الداخلية، فإن الحل الاستراتيجي يتطلب أكثر من إغلاق الأبواب:

•تعاون دولي: إنشاء آليات أوروبية ودولية لتوزيع أعباء اللجوء بشكل عادل.

•مراجعة إنسانية: الحفاظ على الاستثناءات للعائلات الأشد تضررًا، بما يضمن التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان.

•رؤية استباقية: دعم التنمية والاستقرار في مناطق النزاعات لتقليص موجات الهجرة من أساسها.

 الخلاصة الاستراتيجية

قرار بريطانيا بإنهاء برنامج لمّ شمل اللاجئين يعكس تحوّلًا جذريًا في فلسفة الهجرة: من منطق الإنسانية والاحتضان إلى منطق الانتقائية والسيطرة. غير أن الرهان على الأمن والسياسة دون مراعاة الأبعاد الإنسانية قد يُفضي إلى نتائج عكسية، ويضع لندن في قلب اختبار دولي صعب بين صورتها كـ”قلعة ديمقراطية” وواقعها كدولة تبحث عن الانغلاق.

المستقبل: التحول الديمغرافي كعامل حاسم

القرارات الأخيرة في بريطانيا، وما سيتبعها من خطوات أوروبية، ليست مجرد ردود فعل سياسية، بل تعبير عن قلق عميق من التغير الديمغرافي.

1.الخوف من الاختلال السكاني:

الإحصاءات الأوروبية تشير إلى أن معدلات الولادة في الجاليات المهاجرة (خاصة العربية والإسلامية) تفوق مثيلاتها لدى السكان الأصليين. هذا يولد تصورًا استراتيجيًا بأن أوروبا “تفقد تفوقها العددي” على المدى المتوسط.

2.الهواجس الثقافية والهوياتية:

الديمغرافيا تعني أكثر من أرقام. فالنخبة الأوروبية ترى أن استمرار النمو السريع للجاليات المهاجرة سيؤدي إلى إعادة تشكيل البنية الثقافية والسياسية داخل القارة. من هنا ينبع الحديث المتكرر عن “الاندماج” أو “الذوبان في الهوية الوطنية”.

3.الضغط على الديمقراطية:

بزيادة أعداد المهاجرين المجنسين، تتغير الخريطة الانتخابية. هذا يثير مخاوف الأحزاب التقليدية من صعود تيارات جديدة تعكس مصالح الكتل المهاجرة، وهو ما يدفعها إلى سنّ قوانين تقلص من هذا التأثير قبل فوات الأوان.

4.الاقتصاد ذريعة.. الديمغرافيا السبب الحقيقي:

رغم تكرار الحديث عن كلفة الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، إلا أن الاقتصاد يمكن معالجته عبر سياسات مالية، بينما التغير الديمغرافي يُنظر إليه كتحول غير قابل للعكس بسهولة، وهو ما يفسر حدّة المواقف الحالية.

الخلاصة الاستراتيجية

بريطانيا ومعها أوروبا تمضي نحو مرحلة عنوانها: السيطرة الديمغرافية عبر سياسات هجرة صارمة. المستقبل القريب لن يكون مجرد تقليص أعداد اللاجئين، بل إعادة صياغة المجتمع نفسه وفق رؤية تحافظ على الغلبة العددية والثقافية للسكان الأصليين.

 

متعلقات:

آخر الأخبار