الاستراتيجية الرابعة.. كيف تواجه إيران عقوبات "آلية الزناد" ؟
بحرالعرب_متابعات:
تواجه إيران في عام 2025 تحديا متصاعدا جراء تطبيق عقوبات الأمم المتحدة المعروفة باسم "آلية الزناد"، التي تستهدف القطاعات الاقتصادية والنووية والعسكرية في البلاد.
وقد اعتمدت طهران استراتيجيات متعددة لمواجهة هذه الضغوط، تجمع بين التكيف الاقتصادي، وتعزيز الإنتاج المحلي، والرد السياسي، والحراك الدبلوماسي، على الرغم من التحديات الاجتماعية الحادة التي خلفتها هذه العقوبات.
سعت إيران لتعزيز تجارتها الإقليمية لمواجهة تأثير العقوبات الغربية، حيث شكلت روسيا 35% والصين 36% من مجمل علاقاتها التجارية في النصف الأول من 2025.
وعملت طهران على توسيع طرق التجارة عبر آسيا الوسطى، بما في ذلك مشاريع السكك الحديدية العابرة للقارات وطرق الشحن البرية؛ ما ساهم في زيادة الصادرات نحو آسيا بنسبة 18% بنهاية 2024.
كما لجأت إيران إلى تفعيل شبكات غير رسمية وتهريب النفط لتقليص الاعتماد على القنوات الرسمية، مستغلة ضعف الرقابة الدولية بعد الانسحاب الغربي من الاتفاق النووي.
في هذا السياق، ترى الباحثة في الشؤون الإيرانية إسراء جبريل، أن إيران سعت عبر تجارة معمقة مع الصين وروسيا، واستخدام شبكات تهريب وتحويلات غير رسمية، أن تخفف جزئياً من آثار العقوبات الأممية، خصوصاً عبر استعادة جزء من صادرات النفط والاعتماد على صفقات مقايضة بالسلع والعملات المحلية.
وأضافت جبريل أن هذه الاستراتيجية مكّنت الحكومة من تأمين سيولة نسبية ومنع انهيار اقتصادي شامل، لكنه لم يعالج المشكلات البنيوية مثل التضخم الذي بلغ في بعض السلع الغذائية أكثر من 250%، ضعف الاستثمار الأجنبي، وتبعية الميزانية لمداخيل الطاقة، ما يجعل هذه الاستراتيجيات أشبه بحلول مؤقتة أكثر من كونها مساراً مستقراً طويل الأمد.
وأوضحت أن المؤشرات على الاستدامة تبقى محدودة؛ فمبيعات النفط عرضة لتقلبات السوق وتشديد المراقبة الغربية، والاقتصاد الموازي يوزع الأرباح على شبكات ضيقة لا على الاقتصاد الكلي.
ولفتت الباحثة في الشؤون الإيرانية إلى أن تصريحات الرئيس مسعود بزشکیان الأخيرة تكتسب أهمية في هذا الصدد، إذ شدد على أن "مشاكل البلاد يجب أن تحل دون الانصياع للغرب" وحذّر من مستقبل بلا نفط وغاز، داعياً إلى بناء اقتصاد قائم على الإنسان والإنتاج لا على استهلاك رأس المال .
وأشارت جبريل إلى أن طهران تملك قدرة واقعية على كسب تنازلات تفاوضية دون التخلي عن بنيتها الدفاعية والنووية عبر مزيج من أدوات: معاودة التعاون الانتقائي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقديم قيود مؤقتة وقابلة للتحقق على جوانب تشغيلية (مثل الوصول إلى مواقع أو الحدّ من مستوى تخصيب) مقابل رفع جزئي للعقوبات أو آليات تخفيف اقتصادي، واستثمار التباينات الدولية بين واشنطن وحلفائها وروسيا/الصين للحصول على مساحات مناورة.
وأكدت أن "هذه الاستراتيجية الرُباعية تسمح بتحصيل مكتسبات اقتصادية ودبلوماسية قصيرة إلى متوسطة الأمد لكنها تعتمد على رغبة الطرف الآخر في التفاوض وعدم الرغبة في دفع الأمور إلى صدام شامل".
وأردفت الباحثة أنه مع ذلك فالسياسة الواضحة للنظام الإيراني تزيد بشكل ملموس احتمال عزلة دبلوماسية أوسع أو ضربات عسكرية استباقية من إسرائيل أو ضربات أمريكية (أو أطراف ثالثة)، سواء عبر توسيع البرنامج الصاروخي أو تقليص الشفافية النووية.
ومنذ عام 1979، فُرض على إيران نحو 5475 عقوبة دولية، وهو الرقم الأعلى عالميا؛ ما يعكس حجم الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها طهران.
ركزت الحكومة الإيرانية على تنمية صناعاتها المحلية في مجالات الغذاء والدواء والدفاع؛ ما أسهم في تحقيق نمو اقتصادي محلي بلغ نحو 11% في 2024 رغم العزلة الدولية.
وشملت السياسات التحول نحو الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأدوية والمواد الغذائية، واعتماد تقنيات الزراعة الحديثة لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
كما تم تطوير قدرات الإنتاج العسكري؛ بما يعكس حرص إيران على تقليل نقاط ضعفها أمام العقوبات.
واعتبرت السلطات الإيرانية العقوبات الأخيرة "غير قانونية"، وطالبت الأمم المتحدة والدول المعنية بعدم تطبيقها، مستخدمة هذه الرسائل لحشد الدعم الداخلي وتعزيز موقفها التفاوضي.
ولم تتخلَ طهران عن سياساتها النووية والدفاعية، بل أظهرت استعدادها لتصعيد هذه البرامج أو زعزعة الاستقرار الإقليمي إذا لم يتم استجابة المجتمع الدولي لمطالبها بالحوار السياسي.
كان للضغط الاقتصادي والعقوبات أثر مدمر على المواطنين؛ إذ فقد الريال الإيراني قيمته بسرعة، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 45.3% في سبتمبر 2025، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسب تجاوزت 90% لبعض السلع.
ويعيش نحو 28 مليون شخص تحت خط الفقر، فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 22 مليونا؛ وهو ما يعكس أزمة اجتماعية غير مسبوقة في إيران.
وتراجع مستوى السلع الأساسية وانخفضت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل حاد؛ ما يزيد من الضغوط الداخلية على الحكومة.
على الصعيد الدولي، صعدت إيران خطابها الدبلوماسي، مهددة بتصعيد برنامجها النووي وربط العقوبات بزعزعة الاستقرار الإقليمي.
وقد دفعت هذه الخطوات روسيا والصين لدعم طهران دبلوماسيا، محاولة منع تمرير العقوبات الجديدة أو تأخيرها عبر مشاريع قرارات بديلة في مجلس الأمن.
وفي الوقت نفسه، تواصل إيران المطالبة بالحوار السياسي مع الأمم المتحدة للخروج من الأزمة، سواء من خلال اتفاقيات جديدة أو تمديد الاتفاقيات السابقة، في محاولة لإيجاد توازن بين الضغط الدولي والمصالح الوطنية.