بحث

هل اليمن بعد غزة.. رهانات السلام تصطدم مع حسابات القوة والتوسعات الحوثية

الاثنين 20/أكتوبر/2025 - الساعة: 12:09 م

بحرالعرب_عبداللاه سميح:

 

 

وسط الدعوات الدولية لاستغلال اتفاق وقف النار في غزة، وتضاؤل مبررات هجمات الحوثيين العابرة للحدود، يعود الحديث في الداخل اليمني عن الفرص التي توفّرها التهدئة الإقليمية في إحياء المسار السياسي، رغم انعدام الثقة بين الحكومة والميليشيا.

 

ورغم الهدوء الظاهر على مستوى المنطقة، فإن التصعيد الميداني المتجدد في اليمن لا يمكن إخفاؤه، مع عودة الحوثيين لاستعراض قوتهم العسكرية.

 

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، فإن اليمن يواجه خطرًا مزدوجًا يتمثّل في تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر، واستمرار صراعهم مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، دون أيّ حلول.

 

ودعت المجموعة في تقريرها الصادر الجمعة الماضي، دول الاتحاد الأوروبي، إلى المساعدة في ضمان استمرار هدنة غزة، والضغط على الحوثيين لإيقاف العنف والجنوح إلى السلم، إضافة إلى تعزيز بناء هيكل أمني فعّال في البحر، سواء عبر إحياء مبادرة تحالف البحر الأحمر، أو استكشاف بدائل أخرى.

 

كما حثّت على تشجيع محادثات السلام، بدءًا بخريطة الطريق السعودية التي توقفت مع اندلاع التوترات في البحر الأحمر، واستخدامها كأساس للتحرك نحو مفاوضات سياسية أوسع، تحت رعاية أممية.

 

وحول مدى واقعية هذه الرهانات الدولية، تتباين رؤى الداخل تجاهها، في ظل بقاء جملة من التعقيدات المحيطة بالملفين الاقتصادي والإنساني اللذين يهدفان إلى تعزيز ثقة الأطراف والتمهيد للمرحلة التالية من المفاوضات.

 

وقال وكيل وزارة الإعلام لدى الحكومة اليمنية، فياض النعمان، إن الهدوء النسبي الذي تشهده المنطقة، يفتح من حيث المبدأ، نافذة محدودة لاستئناف المسار السياسي، لكن ذلك يظل مرهونًا بمدى جدّية الميليشيا في المضي قدمًا نحو سلام حقيقي وشامل يقوم على الالتزام بالمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية.

 

وذكر النعمان، أن الواقع الميداني والسياسي يؤكد أن السلام مع هذه الميليشيا لا يزال بعيد المنال، فالفجوة بين الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، لا تزال واسعة وعميقة.

 

وبيّن أن ممارسات ميليشيا الحوثي على الأرض وتصعيدها المستمر ضد الملاحة الدولية، تُثبت أنها لا تزال تُراهن على العنف وابتزاز المجتمع الدولي، بدلًا من تبني لغة الحوار والانخراط الجاد في العملية السياسية.

 

وأشار إلى أن الحوثيين مع كل مبادرة أو دعوة للسلام يردون بتصعيد عسكري أو سياسي جديد؛ ما يعكس طبيعتها العقائدية المرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة.

 

وأكد النعمان، أن أيّ حديث عن سلام مستدام، لن يكون ذا جدوى ما لم تتوفر ضمانات حقيقية تُلزم الميليشيا بوقف عدوانها وتسليم سلاحها واحترام إرادة اليمنيين في بناء دولتهم الاتحادية الحديثة.

 

متابعًا على المجتمع الدولي أن يُدرك بأن التعامل اللين مع ميليشيات مسلحة تتغذى على الحروب، لن يُنتج سلامًا، وإنما يطيل عمرَ الأزمة ويزيد معاناةَ الشعب اليمني.

 

في المقابل، لا تزال مواقف الحوثيين متذبذبة تجاه استئناف جهود التسوية؛ إذ دعا رئيس ما يُسمى بـالمجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط بعد اتفاق غزة، إلى انتقال الداخل اليمني من مرحلة "خفض التصعيد، إلى إنهاء العدوان وتنفيذ استحقاقات السلام، ثم عاد ليتوعد في الخطاب ذاته بـ"تحرير اليمن كاملًا.

 

فيما يشير القيادي محمد البخيتي، عضو المجلس السياسي لدى الميليشيا، إلى أن الحل السياسي لم يعد ممكنًا، وأن الخيار الأنسب في ظل الظروف الراهنة هو الحسم العسكري وبسط النفوذ على كامل التراب اليمني.

 

وذكر البخيتي في تدوينة على منصة (إكس)، أن القضية لم تعد خلافًا داخليًّا، بل أصبحت معركة مصيرية،إمّا أن يرتفع علم اليمن في القدس وإمّا يُرفع علم إسرائيل في صنعاء"، حسب قوله.

 

بدوره، قال الباحث في المركز اليمني للسياسات، أحمد الشرجبي، إن إحياء مسار السلام في اليمن يعتمد على ثلاث ركائز رئيسية مترابطة، أولاها: التهدئة الدولية التي بدأت ملامحها بالظهور بعد توقف حرب غزة، وما تبعها من جهود دبلوماسية إقليمية ودولية لإعادة ترتيب أولويات الأمن في المنطقة.

 

مضيفًا أن الركيزة الثانية هي التهدئة المحلية التي أسهمت فيها الوساطة الإقليمية منذ عام 2022، وأفرزت هدنة أممية لا تزال صامدة حتى اليوم رغم هشاشتها. معتبرًا التزام الحوثيين النسبي بوقف الأعمال العسكرية الواسعة داخليًّا، يمكن اعتباره مؤشرًا إيجابيًّا من حيث المبدأ وركيزة ثالثة لإمكانية تحريك مسار السلام.

 

ولفت الشرجبي إلى أن خريطة السلام الأممية لا تزال تواجه عقبات كبيرة، أبرزها هشاشة الاتفاقات الإقليمية وعدم وضوح مسار التهدئة طويلة الأمد، سواء في غزة أو اتفاق التهدئة الأمريكي مع الحوثيين؛ ما يجعل احتمالية العودة إلى التصعيد العسكري قائمة بقوة.

 

مشيرًا إلى التعقيدات الخطيرة التي أضافتها هجمات الحوثيين على السفن التجارية وممرات الملاحة الدولية، وتسببها في إعادة نظر المجتمع الدولي في ملف تسليح الجماعة وإمكانية اتساع نطاق التدخلات الخارجية في اليمن، فضلًا عن الأبعاد الجديدة للأزمة الإنسانية التي أحدثتها اعتقالات الحوثيين المتكررة للموظفين الأمميين.

 

وبحسب الشرجبي، فإن سياسات الحوثيين لا تعكس جدّيتها الحقيقة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة، في ظل سجلّهم الطويل في نقض الاتفاقات السابقة، خصوصًا أن ذلك يتزامن مع استمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما قد يُعيد حالة الاضطراب إلى البحر الأحمر.

 

وأكد أن فرص السلام في اليمن ليست مستحيلة، لكنها مرهونة بقدرة المجتمع الدولي على كبح مصادر التمويل والتسليح لدى الحوثيين.

 

لافتًا إلى أن أي اتفاق مستقبلي قد يُضعف الجماعة سياسيًّا وعسكريًّا أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ملف نزع السلاح البعيد المدى الذي قد يمثل جوهر الخلاف في أي تسوية مقبلة.

متعلقات:

آخر الأخبار