بحث

الملامح السوسيولوجية والنفسية للشخصية العربية


بقلم د : ليلى الهمامي

أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

 

مفهوم الشخصية العربية بالنسبة للعديد من المفكرين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس مفهوم يكاد يكون تعسفيًا على الأقل فيما هو حديثهم عن الشخصية العربية التي تعتبر الفوارق المباعدة بين الأقطار: اعتبارات تاريخية واعتبارات في مستوى المنطوق اللغوي يعني اللهجة، في علاقة بمعطى التاريخ، في علاقة بالمعطى الطائفي أو المعطى العرقي.

كل هذه الاعتبارات تدفع بجزء أو قطاع هام من علماء الاجتماع وعلماء النفس إلى التشكيك في جدارة هذا المفهوم. لكن الواقع أنني أعتقد أن ثمة قواسم مشتركة إذا اعتبرنا أن هنالك معطى هو التاريخ المشترك. إذا اعتبرنا أن في هذا التاريخ هنالك تداخل، معاشره بين الشعوب، تقاطعات سوسيولوجية واعتبار لغوي لا يستهان به.

ثمة مشترك وثمة ذاكرة مشتركة بين مختلف مكونات الأمة العربية - أنه ثمة أمة عربية أحبّ من أحبّ وكره من كره - وهذه الأمة، في جزئها الأعظم إسلامية، على الأقل في مستوى الموروث… لكن أيضًا هي أمة فيها العنصر اليهودي، وفيها العنصر المسيحي، إضافة إلى التلوينات العرقية والتلوينات القومية. هي اعتبارات لابد من أخذها بعين الاعتبار.

المشترك هو معطى الاراداوية، والايرادوية تعني أن العربي يعتقد أنه في إمكانه أن يعطل الزمن. العربي يعتقد أنه في إمكانه أن يستبق الزمن، أنه في إمكانه أن يكون معاديًا ومضادًا لمسار التاريخ، السيرورة التاريخية بالنسبة للعربي مسالة قدر يحاول مقاومتها.

العربي كذلك انفعالي بمعنى أنه يتحرك من منطلقات ودوافع عاطفية. يتفاعل حبًا أو كراهية مع الظواهر، مع الأحداث والوقائع، يحب أو لا يحب، يحب أو يكره هذه التيارات أو هذه الدول أو هذه المواقف أو هذه الممارسات أو هذه القيم… وهذا يمنحه في ذات الوقت عناصر قوة وعناصر ضعف. عناصر القوة تعني أن الإرادة متى كانت محكومة بالعقل تكون بناءة، لكن الإرادة دون عقل، أو عندما تغلب الإرادة على العقل تتحول إلى أهواء، لأن الإرادة دون وعي تتحول إلى ما يشبه الدافع الفطري اللاشعوري الذي يكون أعمى ولا يقود إلا إلى مزيد الهزائم.

المعطى العاطفي والوجداني هو معطى إيجابي بمعنى أنه يقود في وجهه الوردي -من حيث هو اندفاع-، نحو المحبة والرفاه. وهذه ميزه المجتمعات العربية، الرفاه والمحبة والحنين، هذه مميزات يمكن أن تجعل الازمات أقل وطأة من المجتمعات الغربية. لو قارنا بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية الإسلامية لقلنا بأن في المجتمعات العرب ثمة جانب وجداني إيجابي، يحد من وطأة الازمة.

هنالك تعاطف بين أفراد المجتمع الواحد كما هو الشأن بالنسبة للأسرة في حالة الإعاقة، في حالة الشيخوخة، في حالة العجز، مهما كان، حتى العجز المادي أو الاقتصادي كالبطالة والفقر. ثمة تضامن، وهذا التضامن خاصية داخل المجتمع العربي: انشغال بالآخر لكن هذا الانشغال يمكن أن يكون إيجابيًا من حيث أنه اشتغال على ما من شانه أن ينقذ الآخر، أن يأخذ بيده.

لكن الوجه السلبي أيضًا للعاطفة هو الغضب، هو الحقد، هو الثأر، ومنطق الثأر، وهو الذي يقود إلى أبغض الاوضاع والنتائج، لأن الثأر يمكن أن يفضي إلى إعادة إنتاج الكراهية، إلى إعادة إنتاج المشكل الأول.

يعني أن العربي لا يكتفي بالغضب، لا يكتفي بالحقد، وإنما يعيد إنتاج الحقد، يورث الحقد، وهذا إشكال في حد ذاته يمكن أن نرجعه في جزء كبير إلى الاشكاليات العالقة التي بقيت كالدين المتخلد بذمة الأمة العربية، دين لم يحل عقلانيًا بعد. وعليه، فإن الجانب الانفعالي لم يكن في يوم من الأيام عنصرًا إيجابيًا خاصة في علاقته بالقضايا السياسية الكبرى على الأقل.

 

المصدر: وكالة إخبار المستقبل

متعلقات: