بحث

فرنسا تستدعي السفير الإيطالي بعد إهانة لاقتراح نشر قوات أوروبية في أوكرانيا


فرنسا تستدعي السفير الإيطالي بعد إهانة لاقتراح نشر قوات أوروبية في أوكرانيا

باريس – بحر العرب

تحليل استراتيجي 

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية استدعاء السفير الإيطالي في باريس، محذّرة من أن تصريحات نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، المقلّلة من مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنشر قوات أوروبية في أوكرانيا بعد تسوية، تتناقض مع “ أجواء الثقة والتضامن التاريخي ” بين البلدين .

في حملة تصريحات حادة، قال سالفيني، بلغة إيطالية محلية مستفزة: “ لو يريد ذلك بشدة، فليذهب بنفسه إلى هناك، يضع خوذة ويحمل بندقية! ”، معتبرًا أن ماكرون يخطو خارج نطاق المباحثة العقلانية .

هذه ليست أول مواجهة؛ فقد شهدت الفترة الأخيرة توترًا متزايدًا منذ وصول حكومة جورجيا ميلوني إلى السلطة في 2022، خصوصًا حول ملف أوكرانيا والهجرة .

ما وراء الكواليس

1.اصطدام بين نهجين أوروبيين متنافريْن

• فرنسا تتبنّى سياسة القيم المشتركة والدور الأوروبي المتقدم في الأمن الدولي .

• إيطاليا، بعكس ذلك، تُظهر توجهًا أكثر قومية واعتمادًا على سياسة عدائية تجاه التورّط العسكري الخارجي .

2.إرباك في الاتحاد الأوروبي بخصوص الملف الأوكراني

• فرنسا تسعى لبناء “تحالف منسق” يدعم أوكرانيا، بينما ميلوني وسالفيني يدافعان عن سياسة تحفظ على التدخل العسكري الأوروبي المباشر، مما يصعّب توليد خطة استراتيجية أوروبية موحّدة .

3.ارتدادات على السياسة الداخلية

• تصريحات سالفيني تصب مباشرة في إعلام قاعدته الشعبية اليمينية، لكنها في المقابل تُضعف صورة الانتقال الإيطالية تجاه شركاء الاتحاد .

• باريس، من جهتها، تعامل ذلك كمؤشر على ضعف الائتلاف الحاكم في روما في صنع القرار الاستراتيجي . 

الوساطة الألمانية… إعادة ضبط القنوات الفرنسية – الإيطالية

في إطار تصاعد التوترات بين باريس وروما حول دور أوروبا في أوكرانيا، تدخلت ألمانيا بوساطة دقيقة قادها المستشار فريدريش ميرتس خلال قمة أبريل 2025، لتفادي انفجار دبلوماسي قد يعصف بالمنظومة الأوروبية بأكملها .

هذه الوساطة لم تقتصر على إعادة فتح القنوات الدبلوماسية المغلقة، بل عملت على ترميم الثقة المتضررة بين العواصم، بعد سلسلة تصريحات استفزازية من الحكومة الإيطالية تجاه مقترحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون .

النتيجة : استعادة مسار براغماتي للعلاقات الثنائية، مع الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة لتنسيق السياسات الأوروبية المتعلقة بالأمن، الطاقة، الملف الليبي، ودعم أوكرانيا .

وفي الوقت نفسه، يرسل هذا التحرك رسالة واضحة إلى تيارات يمينية متشددة في روما بأن الانعزالية أو الاستفزاز المباشر ضد شركاء الاتحاد الأوروبي يحمل تكلفة سياسية ودبلوماسية عالية .

 

الخلاصة الاستراتيجية : تدخل ألمانيا لم يكن مجرد تصحيح لمسار العلاقات الثنائية، بل هو خطوة أساسية للحفاظ على تماسك أوروبا في مواجهة أزمات خارجية متشابكة، ويعيد التذكير بأن التوازن بين القيم الأوروبية والمصالح الوطنية يظل هشًا ويحتاج إلى وساطة ذكية لتجنب تصدعات أكبر قد تهدد استقرار الاتحاد بأسره .

المنظور الاستراتيجي لهذا الصراع يعكس أزمة أوسع بين القوى الأوروبية :

• سيادة أفقية بين سلطة موحدة وسياسات قومية متطرفة : بداية تصدع في رؤية “ أوروبا المتمايزة ” كقوة موحدة، مع ظهور ميل إيطالي نحو الفراديات والتقويضات .

• خطر تفتيت الإجماع الأوروبي : فرنسا تسعى لدعم أوكرانيا — موقف استراتيجي أساس — لكن تناقضات داخلية في دول كبرى مثل إيطاليا تضعضع الحشد الأوروبي الموحد .

• ماكرون ضد تيار صاعد : تيار يميني قومي يتحدّى القيم المشتركة — قرار السفير بداية المعركة الدبلوماسية، لكنها قد تكون مفترق طريق نحو صدام أوسع أو تهدئة مقبوضة تحت ضغط المصالح المشتركة .

متعلقات:

آخر الأخبار