بحث

زيارة هانس غروندبرغ إلى الرياض وأبوظبي: بين دبلوماسية الإنقاذ واستراتيجية تثبيت النفوذ، تحليل استراتيجي

الخميس 13/نوفمبر/2025 - الساعة: 8:22 م

صحيفة بحر العرب - خاص

 

زيارة هانس غروندبرغ إلى الرياض وأبوظبي: بين دبلوماسية الإنقاذ واستراتيجية تثبيت النفوذ، تحليل استراتيجي 

 

في الوقت الذي يخيم فيه الغموض على المشهد اليمني، جاءت جولة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى الرياض وأبوظبي بمثابة محاولة دقيقة لإعادة تدوير المسار السياسي قبل أن تبتلعه متغيرات الإقليم وتبدّل أولويات العواصم المؤثرة.

الزيارة، رغم هدوئها البروتوكولي، تحمل في طياتها رهاناً أممياً صعباً على إمكانية إعادة تحريك “سلامٍ مؤجل” منذ عامين، بين أطراف تتعامل مع الوقت كسلاح تفاوضي لا كفرصة إنقاذ.

 

 أولاً: منطق التوقيت ومغزى الحركة

 

غروندبرغ اختار لحظته بعناية. فالمشهد الإقليمي يعيش حالة إعادة تموضع استراتيجي عقب التطورات في البحر الأحمر والتوترات في الممرات الملاحية، إضافةً إلى انشغال القوى الكبرى بملفات أوكرانيا وغزة.

وسط هذا الاضطراب، أدركت الأمم المتحدة أن الملف اليمني قد يتسرب من قبضتها لصالح تفاهمات إقليمية ثنائية — سعودية–عُمانية أو إيرانية–سعودية — لا تمر عبر بوابتها الدبلوماسية.

من هنا جاءت الجولة كـ “محاولة استعادة المبادرة” قبل أن يتحول المبعوث إلى مجرّد شاهد على تسويات تُطبخ خارج مكتبه.

 

ثانياً: السعودية… بين الرغبة في الخروج الآمن والحذر من سلام هشّ

 

الرياض اليوم ليست الرياض في 2015.

فبعد ثمان سنوات من الاستنزاف، تغيّرت أولوياتها من “الحسم” إلى “التحصين” — أي الخروج بسلام يحفظ مكاسبها ويمنع انهيار الدولة اليمنية.

لذلك، تدعم السعودية غروندبرغ من خلف الكواليس، لكنها تشترط أن يكون أي اتفاق شاملاً ومُلزماً، لا هدنة مؤقتة تُعيد الحرب بثوب جديد.

ما يقلق الرياض ليس السلام بحد ذاته، بل سلام غير مضمون قد يكرّس سلطة الحوثيين في الشمال ويترك الجنوب في فراغ سياسي واقتصادي خطير.

 

ثالثاً: الإمارات… البحر أولاً

 

الإمارات من جهتها تتعامل مع الأزمة بمنظور مختلف:

ترى أن أمنها يبدأ من البحر الأحمر وينتهي عند مضيق باب المندب.

لذلك، تركّز على تحييد التهديدات البحرية وضمان السيطرة على الموانئ الحيوية أكثر من انخراطها في تفاصيل التسوية السياسية الداخلية.

لقاؤها مع غروندبرغ لم يكن مجاملة دبلوماسية بقدر ما هو رسالة تحذير ناعمة: أي اتفاق سلام يجب أن يأخذ في الاعتبار “المعادلة البحرية الجديدة” التي باتت تحدد استقرار المنطقة أكثر من خطوط الجبهات البرية.

رابعاً: موقف أنصار الله… معادلة القوة والاقتصاد

 

الحوثيون يدركون أنهم في موقع قوة ميدانية نسبيًّا، لكنهم في مأزق اقتصادي وإنساني خانق.

لذا يربطون أي تنازل سياسي بضمانات اقتصادية ملموسة: دفع رواتب الموظفين، فتح الموانئ، وتوسيع الرحلات من مطار صنعاء.

وفي المقابل، يستخدمون ورقة موظفي الأمم المتحدة المحتجزين كورقة ضغط تفاوضية حساسة، رغم الإدانات الواسعة لذلك.

إنها سياسة الحافة العالية: الاقتراب من التصعيد دون الوقوع فيه، لإبقاء الأوراق بأيديهم حتى اللحظة الأخيرة.

 

 خامساً: خفايا الجولة — رسائل غير معلنة

 

وفق تسريبات دبلوماسية موثوقة، حمل غروندبرغ في حقيبته مقترحاً عمانياً محدّثاً يتضمن:

1.وقف إطلاق نار شامل بإشراف أممي.

2.إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة لتوزيع إيرادات الموانئ والضرائب.

3.التزام متبادل بعدم استهداف المنشآت النفطية أو السفن التجارية.

4.جدول زمني لإطلاق الأسرى وموظفي الأمم المتحدة.

 

لكن العائق الأكبر ليس في النصوص، بل في انعدام الثقة بين الدول التي تدير الصراع داخل اليمن وليس بين الأطراف المتصارعة بالوكالة.

 سادساً: ميزان الاحتمالات

 

السيناريو الوصف التقدير الاستراتيجي

اتفاق مبدئي خلال النصف الأول من 2026 صفقة اقتصادية وأمنية جزئية 55%

استمرار الجمود السياسي دون تصعيد كبير بقاء الوضع الراهن بدعم إقليمي 30%

انهيار التهدئة وعودة المواجهات في حال فشل مفاوضات مسقط أو هجمات بحرية جديدة 15%

سابعاً: القراءة الختامية

إن زيارة غروندبرغ ليست مجرد جولة دبلوماسية، بل محاولة إنقاذ أخيرة لمسار أممي مهدد بالضمور.

هو يدرك أن اليمن لم يعد أزمة محلية، بل عقدة استراتيجية في قلب توازنات البحر الأحمر والخليج.

نجاحه لا يتوقف على مهارته التفاوضية فقط، بل على قدرة العواصم الكبرى على تحويل مصالحها من التصادم إلى التلاقي.

ففي نهاية المطاف، السلام في اليمن لن يُصنع في صنعاء وحدها، بل في تقاطع الإرادات بين الرياض وأبوظبي ومسقط وطهران وواشنطن.

 

الخلاصة:

إن أخطر ما في اليمن اليوم ليس استمرار الحرب، بل الاعتياد على غياب السلام.

وجولة المبعوث الأممي الأخيرة هي تذكير للعالم بأن الوقت، في السياسة كما في الحرب، لا ينتظر المترددين.

متعلقات:

آخر الأخبار