العالم في قلب العاصفة : استعراض صيني وتحالفات مضادة وأسواق قلقة وبحار مشتعلة
العالم في قلب العاصفة : استعراض صيني وتحالفات مضادة وأسواق قلقة وبحار مشتعلة
تحليل استراتيجي - بحر العرب
في مشهد يعكس تصاعد التحولات الجيوسياسية، شهد العالم خلال الأيام الأخيرة سلسلة أحداث مترابطة رسمت لوحة استراتيجية جديدة توحي بأننا أمام مرحلة إعادة تشكيل كبرى لموازين القوة الدولية .
العرض العسكري الصيني : قوة صاعدة ورسالة مباشرة
في بكين، أقامت الصين عرضًا عسكريًا ضخمًا غير مسبوق، شارك فيه الرئيس شي جينبينغ برفقة فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، في استعراض للقوة كشف عن أحدث الصواريخ الباليستية، الأسلحة الفرط – صوتية والطائرات المسيّرة .
لم يكن العرض مجرد احتفال عسكري، بل إعلان استراتيجي صريح بأن بكين باتت قوة عظمى ثالثة، تمتلك القدرة على تحدي الهيمنة الغربية، وبناء محور شرقي موازٍ .
التحالف الياباني–الأسترالي : شبكة ردع في مواجهة بكين
ردًا على هذا التمدد الصيني، وقّعت اليابان وأستراليا اتفاقًا أمنيًا شاملًا يعيد تعريف شراكتهما الدفاعية، متضمنًا تدريبات مشتركة، تبادل قواعد، وخطط إجلاء في حالات الأزمات .
التحالف لم يقتصر على الجانب العسكري، بل شمل التكنولوجيا والطاقة والاقتصاد، ليصبح نواة لمحور آسيوي – غربي يوازن كفة النفوذ الصيني .
مناورات “حرية الحافة”: درع ثلاثي ضد محور شي–بوتين–كيم
في السياق ذاته، أعلنت واشنطن وسيول وطوكيو عن مناورات “حرية الحافة”، التي ستنطلق منتصف سبتمبر، بتركيز على القدرات الجوية والبحرية والسيبرانية .
التوقيت جاء كرسالة مباشرة ردًا على العرض العسكري الصيني، وللتأكيد أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بخيوط القيادة الاستراتيجية في آسيا عبر ردع ثلاثي يحد من أي مغامرات صينية أو كورية شمالية .
الأسواق العالمية : اقتصاد فوق صفيح ساخن
وعلى الجبهة الاقتصادية، تعيش الأسواق العالمية حالة ترقّب حذر لتقرير التضخم الأمريكي .
الذهب يسجل قفزات قياسية، عوائد السندات ترتفع، والنفط يقف على أعتاب قرارات حاسمة من “ أوبك+ ”.
في أوروبا، تعصف باريس ولندن بأزمات سياسية تهدد بثبات السياسات المالية .
العالم اليوم يواجه مرحلة “اللا يقين المالي” حيث تتشابك السياسة والاقتصاد إلى حد يصعب فصلهما .
بحر الفلبين : مختبر الردع البحري
في خضم هذه الأحداث، اتهمت بكين الولايات المتحدة وأستراليا والفلبين وكندا بمحاولة “إشعال التوترات” بعد تدريبات بحرية مشتركة في المنطقة الاقتصادية الفلبينية .
الصراع في جوهره ليس على الملاحة فقط، بل على الممرات البحرية الاستراتيجية التي تُعد شرايين التجارة العالمية .
المنطقة تتحول تدريجيًا إلى مختبر اختبار للردع البحري بين الشرق والغرب، حيث أي حادثة صغيرة قد تشعل مواجهة كبرى .
تحليل استراتيجي تفصيلي
الوضع :
تتسارع الأحداث على مسرح الجغرافيا السياسية :
• الصين استعرضت في بكين عرضًا عسكريًا غير مسبوق بحضور بوتين وكيم، كشفت فيه عن صواريخ فرط – صوتية وطائرات مسيّرة متقدمة، في إعلان صريح عن جاهزية محور شرقي يوازي الغرب .
• اليابان وأستراليا وقّعتا اتفاقًا دفاعيًا شاملًا، يمتد من تبادل القواعد والتدريبات المشتركة إلى التعاون في الطاقة والتكنولوجيا، ليؤسس لنواة تحالف آسيوي–غربي مضاد .
• الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان أعلنت عن مناورات “حرية الحافة”، الموجهة بوضوح ضد محور شي–بوتين–كيم، في استعراض لقوة الردع الثلاثي .
• الأسواق العالمية تعيش حالة من “اللا يقين المالي” :
الذهب يسجل قفزات، السندات ترتفع، والنفط بانتظار قرارات أوبك+، فيما أوروبا تُعاني من شروخ سياسية في باريس ولندن .
• بحر الفلبين يشهد تصعيدًا بحريًا بين الصين والغرب، حيث تحوّل إلى ساحة اختبار للنفوذ والملاحة، وسط تدريبات مشتركة واتهامات متبادلة بالتصعيد .
الأهداف :
• الصين : تثبيت مكانتها كقوة عظمى ثالثة، ورسالة بأن المحيط الهادئ ليس بحرًا أمريكيًا .
• روسيا : كسر العزلة عبر التحالف مع بكين، وتأكيد استمرار فعاليتها كلاعب دولي .
• كوريا الشمالية : تعزيز أوراق الضغط كركيزة استراتيجية في معادلة الردع .
• اليابان وأستراليا : صياغة مظلة أمنية مستقلة عن الهيمنة الأمريكية المطلقة، مع تعزيز الجاهزية ضد تمدد بكين .
• واشنطن : إعادة تثبيت القيادة في آسيا واحتواء أي تحالف مضاد .
• الغرب : حماية حرية الملاحة وضمان استمرار تدفق التجارة عبر الممرات البحرية الحساسة .
• الأسواق : البحث عن توازن هش بين السيطرة على التضخم وعدم كسر النمو العالمي .
المآلات :
• عسكرة متسارعة لآسيا : العرض الصيني والمناورات الغربية سيُدفعان المنطقة نحو سباق تسلح يعيد إنتاج أجواء الحرب الباردة، ولكن بوجه آسيوي .
• محاور متقابلة : يتشكل تدريجيًا محور شرقي (شي – بوتين – كيم) مقابل محور غربي آسيوي (واشنطن – طوكيو – كانبيرا – سيول).
•اقتصاد عالمي هش : الأسواق ستبقى رهينة التوترات، ما يفتح الباب أمام تضخم جامح أو انكماش عميق في 2026.
• بحار ملتهبة : بحر الفلبين وسائر الممرات الآسيوية يتحولان إلى نقاط تماس استراتيجية، حيث أي خطأ تكتيكي قد يشعل مواجهة كبرى .
•إعادة هندسة النظام الدولي : العقد المقبل سيشهد صراعًا متدرجًا بين قوة صاعدة (الصين)، وقوة متراجعة لكنها متمسكة بالقيادة (الولايات المتحدة)، وقوى ثانوية تبحث عن موقع بينهما (أوروبا والهند وأستراليا وجنوب أفريقيا).
الخلاصة الاستراتيجية :
الصورة الكبرى تكشف عن عالم يدخل مرحلة إعادة تشكل محاور القوة :
• العرض العسكري الصيني أطلق شرارة التصعيد، معلنًا صراحة عن محور شرقي جديد .
• التحالف الياباني–الأسترالي والمناورات الثلاثية شكلا ردًا غربيًا سريعًا يرسم خرائط جديدة للردع في آسيا .
• الأسواق العالمية تعكس هشاشة النظام المالي أمام اضطراب السياسة والجغرافيا .
• بحر الفلبين يتحول إلى ساحة صراع مفتوحة حيث تتقاطع مصالح القوى العظمى .
إنها لحظة مفصلية يتداخل فيها السلاح والاقتصاد والبحار، لتفتح الباب أمام عقد عالمي جديد، قد يحمل ملامح حرب باردة آسيوية الطابع، ولكن بأدوات أكثر تعقيدًا وارتباطًا بالنظام المالي العالمي .
المشهد :
يعكس أن العالم يقف عند عتبة نظام دولي جديد، حيث تتقاطع العسكرة والاقتصاد والممرات البحرية لتصوغ ملامح العقد القادم .