بحث

قمة بكين العسكرية : عرض قوة أم إعلان ملامح نظام عالمي جديد؟


 

قمة بكين العسكرية : عرض قوة أم إعلان ملامح نظام عالمي جديد؟

تحليل استراتيجي - بحر العرب 

أولًا: الحدث — ماذا جرى؟

•نظّمت الصين عرضًا عسكريًا ضخمًا في بكين لإحياء الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في حضور علني ثلاثي غير مسبوق يجمع شي جين بينغ وفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون.

خلاله قال شي إن العالم يواجه خيارًا تاريخيًا بين «السلام أو الحرب»، في رسالة موجهة للغرب وحلفائه. 

•العروض أظهرت نقلة نوعية في التسليح: صواريخ فرط صوتية، مسيّرات بحرية/تحت-سطحية، ومنظومات دفاع جوي وصواريخ باليستية عابرة للقارات؛ بعضها يُعرض لأول مرة علنًا. 

•اللقاءات الجانبية كرّست مشهد «مثلث شرقي»: كيم تعهّد بدعم روسيا وتباحث مع بوتين حول شراكة استراتيجية أطول أمدًا. 

ثانيًا: الواقع — أين نقف الآن؟

•تلاقٍ مصالح لا تحالف دفاعي رسمي: الصور واللغة السياسية تعكس اصطفافًا واضحًا، لكن دون معاهدة دفاع جماعي على شاكلة الناتو؛ إنه تنسيق مُتعدّد المسارات (تسليحي، اقتصادي، معلوماتي) أكثر منه حلفًا مغلقًا.

(استنتاج مدعوم بطبيعة الرسائل العلنية وتباين أولويات الأطراف). 

•تكلفة عالمية تتصاعد: زخم التسليح الآسيوي يتزامن مع اضطراب أسواق الدين وارتفاع كلفة التمويل في الغرب—ما يقلّص هوامش المناورة الاستراتيجية لدى العواصم الأطلسية. (قراءة سياقية لخطاب «السلام أو الحرب» مع وضع الاقتصاد العالمي الراهن). 

ثالثًا: الأهداف — ماذا أرادت بكين وموسكو وبيونغ يانغ؟

•الصين: تثبيت صورة «القوة المُنشئة للنظام» لا «المُراجِعة له»؛ استخدام الرمزية التاريخية لإضفاء شرعية على توازن ردع جديد يمتد من غرب الهادئ إلى المحيط الهندي.

إظهار منظومات غير متناظرة (فرط صوتية / مسيّرات) لردع خصوم أقوياء بكلفة أقل. 

•روسيا: تحويل الضغط في أوكرانيا إلى رصيد تحالفي شرقي؛ إظهار أنها ليست معزولة وأن لها عمقًا سياسيًا – صناعيًا يُمكّنها من إطالة أمد الصراع بشروط أفضل. 

•كوريا الشمالية: ترقية مكانتها من لاعب هامشي إلى شريك مُحتفى به في محور معلَن، بما يردع واشنطن وطوكيو وسيول ويرفع ثمن أي تسوية مستقبلية في شبه الجزيرة. 

رابعًا: الخفايا — ما بين السطور؟

•رسالة تسليحية موجّهة: إبراز منصّات بحرية ومسيّرات تحت-سطحية يوحي بأولوية مضايق وبحار الحافة الآسيوية (تايوان، بحر الصين الجنوبي، السلسلة الأولى للجزر)، مع تكتيك «إنكار/منع الوصول» A2/AD لتقييد الأساطيل الغربية. 

•دبلوماسية الصورة: اللقطة الجماعية لشي–بوتين–كيم ومعهم طيف واسع من قادة ومسؤولين دوليين تهدف إلى تطبيع مشهد «تجمّع مضاد للغرب» أمام الرأي العام العالمي، حتى لو تباينت مصالح الحضور. 

•حرب سرديات: صيغة «السلام أو الحرب» محاولة لإلصاق كلفة التصعيد بالغرب، مقابل تسويق الصين كقوة «تحمي الاستقرار» بينما تُسرّع التحديث العسكري. (قراءة سردية مدعومة بتحليل الصحافة الغربية). 

خامسًا: المآلات — إلى أين تتجه الأمور؟

قصير الأمد (0–6 أشهر):

•تكثيف رسائل الردع حول تايوان وبحار آسيا، وازدياد اختبارات/استعراضات تسليحية غير متناظرة.

احتمال مناورات ثلاثية (رمزية/جزئية) لتعميق صورة «المثلث الشرقي». 

متوسط الأمد (6–18 شهرًا):

•اتساع «اقتصاد الحرب البارد» عالميًا: سباق خفي في سلاسل الإمداد الدفاعية، واشتداد المنافسة على أشباه الموصلات والمواد الاستراتيجية، مع ضغوط تمويل أعلى على الاقتصادات الغربية. (استنتاج يستند إلى تزامن العسكرة والضغوط المالية). 

بعيد الأمد (18+ شهرًا):

•تموضع ثنائي جديد: «كتلة أطلسية يُنهكها التمويل» مقابل «كتلة شرقية تتقن أدوات الإنكار/المنع». ليس تحالفًا عسكريًا صريحًا بقدر ما هو نظام محاور متجاورة تتنافس على التكنولوجيا والممرات البحرية والنفوذ السياسي عبر الأطراف.

(استنتاج تحليلي ينسجم مع طبيعة الاصطفاف الحالي). 

سادسًا: ما الذي ينبغي مراقبته؟

1.وتيرة الكشف عن منصّات جديدة (فرط صوتية/بحرية ذاتية/ليزرية) في الصين خلال عام 2025–2026. 

2.مستوى الانخراط الكوري الشمالي في دعم روسيا، وطبيعة المقايضات (غذاء/طاقة/تقنيات) التي تُمكّن بيونغ يانغ من تحمّل العقوبات. 

3.ردّ فعل الأسواق والسياسات الغربية: إلى أي مدى يسمح ارتفاع عوائد السندات باستدامة إنفاق عسكري مرتفع دون كلفة سياسية داخلية؟ (سياق الاقتصاد السياسي الغربي الراهن). 

الخلاصة التحريرية:

العرض لم يكن بروتوكولًا بل بيان نوايا استراتيجي: الصين تقول إنها قادرة على فرض معادلة ردع متعدّدة الميادين، وروسيا تواجه عزلتها بـ«شرعية شرقية»، وكوريا الشمالية تنتقل من الهامش إلى مقعد الصورة.

العالم لا يعود إلى «حرب باردة» تقليدية بقدر ما يدخل حقبة محاور مرنة تُدار فيها القوة عبر التكنولوجيا، وسلاسل الإمداد، وشرعية السرديات بقدر ما تُدار عبر الجيوش. 

متعلقات:

آخر الأخبار