قمة بكين: ميلاد المثلث الشرقي وتحدي الغرب
قمة بكين: ميلاد المثلث الشرقي وتحدي الغرب
تحليل استراتيجي - بحر العرب - خاص
المشهد
بكين تستعد لعرض عسكري هائل تخليدًا لذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن ما يهم ليس الاستعراض العسكري في ذاته، بل من يقف على المنصة :
شي جين بينغ، فلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون.
ثلاثة قادة يمثلون دولًا مختلفة في الحجم والقدرات، لكن يجمعهم قاسم واحد : مواجهة الغرب وإعادة صياغة النظام الدولي.
1. زيارة كيم: عبور مدرّع نحو تحالف مصيري
لم تكن رحلة كيم بالقطار المدرّع مجرد وسيلة سفر، بل رمزية مشحونة:
•عبور الحدود إلى بكين هو انتقال كوريا الشمالية من عزلة مشددة إلى قلب محور استراتيجي جديد.
•ظهوره بجانب شي وبوتين يُعادل إعلانًا رسميًا عن ولادة مثلث شرقي يمتد من بحر اليابان حتى بحر قزوين.
•الرسالة إلى واشنطن وسيول وطوكيو واضحة :
كوريا الشمالية لم تعد وحيدة، بل جزء من جبهة تمتلك المظلة النووية والسياسية المشتركة.
2. بوتين : العلاقات الروسية–الصينية في “مستوى غير مسبوق”
كلمات بوتين لم تكن بروتوكولية، بل مفصلية :
•“غير مسبوق” تعني أنّ موسكو ترى في بكين حليفًا وجوديًا لا مجرد شريك تجاري.
•في لحظة يواجه فيها الغرب روسيا بالعقوبات وأوكرانيا بالحرب، تُعيد موسكو التموضع كجزء من محور آسيا الصاعد.
•بكين، من جهتها، تكسب شريكًا عسكريًا ذا خبرة هائلة وتكنولوجيا حربية، في مقابل إمدادها بممرات اقتصادية وأسواق مفتوحة.
3. الدلالات الاستراتيجية
هذا المشهد يتجاوز حدود العلاقات الثنائية :
•نظام عالمي موازٍ : ما يُبنى في بكين هو إعلان صريح عن رغبة في تفكيك الهيمنة الأميركية–الأطلسية.
•توازن رعب جديد : وجود قوى نووية ثلاثية (الصين–روسيا–كوريا الشمالية) تحت سقف واحد يضع العالم أمام سباق تسلح جديد.
•انعكاسات إقليمية :
•في آسيا : تايوان وكوريا الجنوبية تدخلان مرحلة قلق استراتيجي طويل الأمد.
•في الشرق الأوسط : دول قد تجد نفسها مدعومة بمظلة أوسع .
•في إفريقيا : النفوذ الروسي–الصيني يتعزز، مستندًا إلى غطاء عسكري–سياسي شرقي.
4. لحظة “يالطا” جديدة
إذا كانت يالطا 1945 قد رسمت حدود النفوذ بين الشرق والغرب بعد الحرب العالمية الثانية، فإن ما يجري في بكين اليوم هو يالطا جديدة بلا حرب مباشرة.
•الغرب لم ينهزم عسكريًا، لكنه يواجه إرهاقًا استراتيجيًا.
•الشرق لم ينتصر بعد، لكنه يطرح نفسه كبديل قادر على صياغة موازين القوى.
5. مآلات الحدث
•على المدى القصير : استعراض تعبوي ضخم يرفع الروح المعنوية لمحور بكين–موسكو–بيونغ يانغ.
•على المدى المتوسط : تعزيز التحالفات العسكرية، وفتح قنوات دعم بين الأطراف الثلاثة.
•على المدى البعيد : احتمال نشوء تحالف رسمي يُقابل “الناتو”، ليُصبح العالم أمام ثنائية جديدة:
•الكتلة الأطلسية بقيادة واشنطن.
•الكتلة الشرقية بقيادة بكين–موسكو، مع أطراف صاعدة كبيونغ يانغ وطهران وربما غيرها.
الخلاصة
قمة بكين لم تكن مجرد حدث عسكري أو بروتوكولي.
إنها إعلان زمني عن دخول العالم عصر المثلث الشرقي.
الرسالة أبعد من الصواريخ والاستعراضات : نحن أمام إعادة هندسة للنظام الدولي، حيث يتراجع الغرب عن موقعه كمرجعية وحيدة، ويولد محور جديد من رحم التاريخ والجغرافيا والدماء المشتركة.
إنها لحظة تقتضي من كل مراقب استراتيجي أن يقرأ بعين واعية :
بكين لم تعد عاصمة الصين فقط، بل صارت منصة ميلاد نظام عالمي يتشكل أمام أعيننا.