بحث

اليمن بين جنازات صنعاء وصواريخ البحر الأحمر


 

 اليمن بين جنازات صنعاء وصواريخ البحر الأحمر 

صباح - صنعاء - خبر و تحليل - بحر العرب  

لم يكن يوم الثلاثاء 2 سبتمبر 2025م يومًا عاديًا في اليمن؛ فقد تداخلت فيه الرمزية السياسية للجنازات مع رسائل الصواريخ في البحر الأحمر والاقتحامات المدوية لمكاتب الأمم المتحدة. ثلاثة أحداث كبرى، متباينة في ظاهرها، لكنها متكاملة في رسائلها، ترسم معالم مرحلة جديدة من الصراع اليمني داخل بيئة إقليمية مشبعة بالتوترات.

أولاً: جنازة الحوثيين.. من الفقدان إلى التعبئة

شكلت الجنازة الجماعية لقيادات الحوثيين في صنعاء مشهدًا استعراضيًا بامتياز، لم يكن الغرض منه فقط وداع القتلى، بل تحويل المأساة إلى رافعة تعبئة داخلية.

•داخليًا: الهدف هو ترميم الشرعية الثورية للجماعة بعد الضربة الإسرائيلية التي أودت برأس الحكومة وعدد من وزرائها.

•خارجيًا: الرسالة إلى الخصوم هي أن “الخسارة لا تعني الانكسار”، بل مضاعفة دوافع الثأر.

الجماعة أرادت عبر آلاف المشيّعين والرمزية الميدانية لميدان السبعين أن تقول إنها أقوى بعد كل ضربة.

ثانيًا: الصواريخ في البحر الأحمر.. تحوّل المعركة

الهجوم الحوثي على ناقلة النفط الإسرائيلية Scarlet Ray، رغم فشله المباشر، يمثل نقلة نوعية في استراتيجية الردع البحري:

•ليس المقصود إصابة الهدف فقط، بل إثبات السيطرة الرمزية على الممرات البحرية الحيوية.

•هذه العمليات تضع الحوثيين في قلب المعادلة الإقليمية للأمن البحري، وتربط اليمن مباشرة بصراع الشرق الأوسط الأوسع.

إنها رسالة مزدوجة: “نحن جزء من محور المواجهة، ولسنا طرفًا محليًا ثانويًا”.

ثالثًا: الأمم المتحدة تحت الضغط

اقتحام مكاتب الأمم المتحدة واحتجاز موظفيها يفتح جبهة جديدة للجماعة:

•استخدام المؤسسات الدولية كورقة مساومة في أي مفاوضات قادمة.

•خلق ضغط متبادل مع العواصم الغربية التي ترى في الأمر تحديًا لهيبة الشرعية الدولية.

لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر، إذ قد يؤدي إلى مزيد من العزلة ووقف الدعم الإنساني، مما يفاقم الأزمة على الأرض.

رابعًا: الصواريخ التي سقطت في السعودية

في تطور لافت، أُطلقت صنعاء صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، لكنها سقطت داخل الأراضي السعودية.

هذا الحدث يكشف ثلاثة أبعاد:

•العسكري: يؤكد امتداد مدى القدرات الصاروخية الحوثية، وإن بشكل غير دقيق.

•الإقليمي: يعرض السعودية لمخاطر مباشرة رغم أنها ليست الهدف المعلن.

•الاستراتيجي: يرفع مستوى التوتر، ويخلق احتمالية لانجرار الرياض إلى مواجهة جديدة غير مرغوبة .

قراءة استراتيجية شاملة

البُعد التأثير

الأمني-العسكري انتقال الحوثيين من الدفاع إلى الهجوم الإقليمي (صواريخ، بحر، رسائل جوية).

السياسي-الإعلامي توظيف الجنازات والرمزية الشعبية في إعادة إنتاج سردية “المقاومة”.

الإنساني-الدبلوماسي استهداف الأمم المتحدة يقوّض فرص التسوية ويهدد بزيادة العقوبات والعزلة.

الخلاصة

اليمن اليوم لم يعد ملفًا محليًا أو حتى إقليميًا محدودًا، بل بات عقدة استراتيجية في معادلة الشرق الأوسط. فالجماعة الحوثية تعيد تعريف نفسها كقوة إقليمية من خلال:

•الجنازات التعبوية.

•الصواريخ العابرة للحدود.

•المضاربة في البحر الأحمر.

•مواجهة المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة.

إنها معركة متعددة الأبعاد، تُنذر بأن المرحلة المقبلة ستكون أكثر تعقيدًا وتدويلًا، مع احتمالات خطيرة لانزلاق المنطقة بصورة أشمل نحو تصعيد شامل .

. الحوثيون يعيدون تعريف أنفسهم كلاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، يستخدمون الدماء، والبحر، والدبلوماسية السلبية كأدوات متكاملة لإعادة تموضعهم.

نعم المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من التدويل والتعقيد، حيث ستتجاوز التداعيات حدود اليمن إلى البحر الأحمر، والجزيرة العربية، وربما خرائط النفوذ الدولية.

 

متعلقات:

آخر الأخبار