بحث

الانهيار الممنهج : جريمة الصرافة في عدن بين اقتصاد السوق الأسود وغياب الدولة


 

الانهيار الممنهج : جريمة الصرافة في عدن بين اقتصاد السوق الأسود وغياب الدولة

تحليل استراتيجي - بحر العرب 

جريمة لا يمكن التستر عليها

في ليلة الأحد، 31 أغسطس، عاش اليمنيون في عدن فصلاً جديداً من مسلسل الفوضى الاقتصادية، حين أقدمت شركات الصرافة التابعة لمسؤلين في الشرعية على خفض سعر صرف الريال السعودي من 425 إلى 250 ريالاً، في خطوة خارج نطاق البنك المركزي، أقرب ما تكون إلى عملية سطو علني على مدخرات الناس .

لم يكن الأمر مجرّد تقلب في السوق، بل جريمة اقتصادية مكتملة الأركان، هدفها سحب العملة من أيدي المواطنين بأبخس الأثمان، فيما ذهبت مليارات الريالات أرباحاً صافية إلى جيوب نخبة مالية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسلطة غائبة و”شرعية” لم تعد سوى غطاء رديء لنهب منظم .

أولاً: من المستفيد من هذه الجريمة؟

عملية الخفض المفاجئ لم تكن عفوية، بل مخططاً مدروساً يخدم بالدرجة الأولى:

1.شركات الصرافة التي تحولت إلى مافيات مالية تمسك بخيوط السوق دون أي رقابة.

2.نافذون في السلطة يجدون في هذه الأزمات فرصة لتبييض أموالهم وتحقيق أرباح فاحشة.

3.الاقتصاد الموازي أو ما يُعرف بالسوق الأسود، الذي بات أقوى من البنك المركزي نفسه.

ثانياً: البنك المركزي … صمتٌ بحجم التواطؤ

يفترض بالبنك المركزي أن يكون صمّام الأمان للاستقرار النقدي، لكنه اليوم مؤسسة عاجزة أو متواطئة.

•العجز: غياب الأدوات النقدية الحقيقية، وانعدام احتياطي العملة الصعبة.

•التواطؤ: مشاركة أطراف نافذة داخل البنك في تمرير صفقات الصرافة.

الصمت المريب الذي أعقب الفضيحة لا يترك مجالاً للشك: البنك المركزي إما شريك في الجريمة أو شاهد زور عليها.

ثالثاً: التداعيات الاقتصادية المباشرة

•انهيار الثقة: المواطن فقد الثقة بكل ما يُسمّى سياسة نقدية أو سعر صرف رسمي.

•تآكل المدخرات: مئات الملايين من الريالات تم الاستيلاء عليها في ساعات قليلة.

•تضخم قادم: كل عملية مماثلة تدفع الأسعار نحو انفجار جديد في السوق.

•اقتصاد هش: غياب الدولة سمح للسوق الموازي أن يتحول إلى “حكومة ظل” تتحكم في حيات الناس اليومية.

رابعاً: الشرعية … قناع الفساد

ما يُسمّى بالشرعية لم يعد أكثر من واجهة مهترئة لسلطة فقدت كل صلة بالوطن والمواطن.

•تحوّلت إلى مجرد أداة في يد الخارج.

•قادتها يقتاتون على الأزمات ويحوّلون الشعب إلى رهائن للجوع والفقر.

•دولة بلا مؤسسات، بل مجرد شبكة من السماسرة والانتهازيين.

خامساً: السيناريوهات المستقبلية

إذا استمرت هذه الانتهاكات بلا رادع، فإن القادم سيكون أشد قتامة:

1.انهيار شامل للعملة: وصول الريال إلى مستويات غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية.

2.انفجار اجتماعي: تراكم الغضب الشعبي قد يفجّر موجة احتجاجات عارمة.

3.تفكك اقتصادي كامل: تحوّل السوق السوداء إلى سلطة فعلية تتجاوز الدولة.

الخلاصة : جريمة وطنية كبرى

ما حدث في عدن ليس مجرد خلل اقتصادي، بل جريمة وطنية كبرى، سرقة علنية لمدخرات البسطاء تحت غطاء “شرعية” فاسدة وصمت رسمي فاضح.

المطلوب اليوم ليس بيانات شكلية، بل:

•محاكمة علنية لشركات الصرافة المتورطة ومن ورائها من المسؤلين.

•تعويض مباشر للمواطنين المتضررين.

•إصلاح جذري للبنك المركزي أو استبداله بهيئة مستقلة شفافة.

غير ذلك، فإن التاريخ سيسجل أن ما أدمى اليمن لم يكن رصاص الحرب فقط، بل جشع النخبة وفسادها الأمر الذي حوّل الوطن إلى مزرعة والشعب إلى وقود رخيص لمصالحهم الدنيئة.

متعلقات:

آخر الأخبار