بحث

إيران بين “الزناد الأوروبي” وهاجس الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي


 

إيران بين “الزناد الأوروبي” وهاجس الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي

بحر العرب - تحليل استراتيجي

في لحظة فارقة من عمر الصراع الدولي، أعاد الغرب تفعيل آلية “الزناد” ضد إيران، بما يعني عملياً إعادة فرض عقوبات اقتصادية شاملة، وتجديد حصار خانق على مواردها الحيوية، في ظل تصاعد التوترات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط.

وردّ البرلمان الإيراني سريعاً بإشارة واضحة: دراسة خيار الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي (NPT)، وهي خطوة إذا اتخذت، ستفتح الباب أمام مرحلة استراتيجية جديدة، أشد تعقيداً وخطورة.

المعنى العميق للقرار الأوروبي

لا يمكن قراءة تفعيل “الزناد” بمعزل عن مشهد الحرب في غزة، والضغوط الغربية لتطويق ما تسميه “نفوذ طهران الإقليمي”. لكن الأهم أن الغرب، بإعادة سلاح العقوبات القصوى، يغامر بدفع إيران إلى خيار “كسر السقف”، والتحرر من التزاماتها النووية التي شكّلت لعقود صمام أمان نسبي في معادلة الاستقرار.

 إيران على خطى كوريا الشمالية؟

التاريخ يقدّم سابقة لا يمكن إغفالها: حين انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة منع الانتشار عام 2003، لم يتوقع أحد أن تتحول سريعاً إلى قوة نووية فعلية، لكنها فعلت، محدثةً زلزالاً استراتيجياً غيّر بنية الأمن في شرق آسيا.

اليوم، إذا أقدمت إيران على الانسحاب، فإن التداعيات ستكون أعمق وأكثر خطورة:

•الموقع الجيوسياسي: إيران ليست دولة هامشية، بل تقع في قلب الشرق الأوسط، جوار الخليج وإسرائيل، حيث تتقاطع شرايين الطاقة العالمية.

•حرب غزة: بعكس كوريا الشمالية التي تحركت في ظرف إقليمي مستقر نسبياً، تتحرك إيران في خضم حرب مشتعلة، ما يجعل قرارها ورقة ضغط مباشرة على واشنطن وتل أبيب.

•شبكة المحور الإقليمي: إيران ليست وحيدة، بل تقود منظومة من القوى الحليفة في اليمن، العراق، لبنان وسوريا، مما يعني أن قرارها سينعكس على ساحات متعددة في آن واحد.

مآلات محتملة: بين الردع والتصعيد

1.سيناريو الردع: انسحاب إيران قد يدفع القوى الكبرى إلى فتح قناة تفاوض شاملة تعيد صياغة التوازن النووي في المنطقة، وربما فرض تسوية كبرى تشمل الحرب في غزة.

2.سيناريو التصعيد: بالمقابل، قد يُطلق الانسحاب سباق تسلح نووي شرق أوسطي، بدءاً من إسرائيل التي تملك ترسانة نووية غير معلنة، مروراً بالسعودية التي قد تطلب مظلة نووية أميركية أو تطور مشروعها الخاص.

 الخلاصة الاستراتيجية

إيران اليوم تقف عند مفترق طرق تاريخي: بين البقاء داخل معاهدة تقيّد حركتها وتبقيها رهينة العقوبات، أو الانسحاب الذي يمنحها ورقة ضغط هائلة لكنه قد يفتح أبواب مواجهة غير مسبوقة.

القرار لن يكون تقنياً أو قانونياً فحسب، بل خياراً وجودياً سيحدد شكل الشرق الأوسط لعقود قادمة، ويرسم بدقة ميزان القوى في عالم يعاد ترتيبه على إيقاع الحروب والحصارات.

متعلقات:

آخر الأخبار