إسرائيل تنقل معركتها إلى صنعاء: رسائل اغتيال استراتيجية في قلب البحر الأحمر
إسرائيل تنقل معركتها إلى صنعاء: رسائل اغتيال استراتيجية في قلب البحر الأحمر
صنعاء - بحر العرب
تحليل استراتيجي
لم يكن استهداف العاصمة اليمنية صنعاء عصر الخميس، وما رافقه من اعتراف إسرائيلي غير مسبوق بأنه جاء بغرض اغتيال قيادات عليا في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، مجرد حادثة عسكرية عابرة .
بل يمكن وصفه بأنه تحوّل نوعي في معادلات الصراع الإقليمي، إذ انتقل الصراع من جبهات غزة وجنوب لبنان إلى العمق اليمني، بما يحمله ذلك من انعكاسات على الأمن البحري العالمي، والتوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط .
أبعاد العملية الإسرائيلية
إعلان إسرائيل عبر هيئة البث الرسمية وإذاعة الجيش أنها استهدفت اجتماعًا لقيادات عسكرية وسياسية حوثية، بينهم رئيس الوزراء والأركان اللواء عبد الكريم الغماري ووزراء بارزون، يُظهر أن العملية ليست مجرد ردّ تكتيكي، بل اغتيال استراتيجي يراد منه :
1.كسر هيبة الحوثيين الذين رسّخوا حضورهم كقوة إقليمية فاعلة في البحر الأحمر .
2.نقل المعركة إلى مستوى هجومي مباشر في العمق اليمني، بعد أن ظلّت إسرائيل ترد عبر وسطاء أو عبر الغارات البحرية .
3.تقديم صورة قوة أمام الداخل الإسرائيلي المأزوم سياسيًا وعسكريًا بفعل حرب غزة وضغط المحكمة الجنائية الدولية على مجرم الحرب نتنياهو .
حرب الروايات والشرعية
نفي الحوثيين السريع وتأكيد إسرائيل العلني يندرجان في إطار معركة الروايات .
إسرائيل تحتاج إلى تثبيت صورة النصر الخارجي للتغطية على إخفاقاتها في غزة، بينما الحوثيون يدركون أن الاعتراف بخسائر بهذا الحجم سيؤدي إلى اهتزاز داخلي، وربما يُستغل لتبرير مزيد من الضربات ضدهم .
هذه الحرب الإعلامية ليست تفصيلًا ثانويًا، بل جزء أصيل من الحرب النفسية الاستراتيجية التي توازي الحرب الميدانية .
انعكاسات على الإقليم والبحر الأحمر
• على اليمن : قد يؤدي التصعيد إلى اندفاع الحوثيين نحو تكثيف هجماتهم البحرية ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إليها، ما يرفع مستوى التهديد للملاحة الدولية في باب المندب .
• على البحر الأحمر : تصبح المنطقة أكثر انكشافًا أمام عسكرة غير مسبوقة، حيث قد تدفع واشنطن وحلفاؤها نحو توسيع التحالف البحري الدولي، بذريعة حماية التجارة العالمية .
• على إيران ومحور المقاومة : الضربة تُختبر كرسالة مباشرة إلى طهران بأن “أذرعها” لم تعد في مأمن، وأن إسرائيل قادرة على نقل المواجهة إلى كل ساحة إقليمية .
• على أوروبا والولايات المتحدة : الحدث يعزز مبرر التدخل الغربي المتزايد في البحر الأحمر، تحت شعار “تأمين الملاحة”، بينما الهدف الاستراتيجي هو احتواء النفوذ الإيراني-الحوثي في هذه المنطقة الحساسة .
مآلات محتملة
1.تصعيد متبادل : إذا ثبت استهداف قيادات بارزة، سيكون رد الحوثيين عبر عمليات نوعية في البحر الأحمر أو عبر استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيّرة .
2.توسيع رقعة الصراع : الضربة تفتح الباب أمام مواجهة علنية مباشرة بين إسرائيل والحوثيين، بعد أن ظلت لسنوات مواجهة غير مباشرة .
3.تدويل أعمق للأزمة اليمنية : من المرجح أن يتزايد الحديث في الأوساط الدولية عن “اليمن كجبهة حرب عالمية مصغرة”، تربط بين غزة وبيروت وصنعاء وطهران .
خلاصة استراتيجية
إسرائيل لم تقصف صنعاء فحسب، بل أرادت أن تعلن ذلك بوضوح لتبعث برسالة مزدوجة :
•إلى الداخل الإسرائيلي: “ما زلنا نملك اليد الطولى”.
•إلى الحوثيين وإيران : “لا خطوط حمراء بعد اليوم”.
لكن النتيجة الأخطر أن البحر الأحمر، الشريان الحيوي للتجارة والطاقة العالمية، يتحوّل تدريجيًا إلى مسرح صراع مفتوح، يضع الاقتصاد العالمي كله رهينة لسياسة “ الاغتيالات الاستراتيجية ” .
ارتدادات مباشرة على مصر والسعودية
الضربة الإسرائيلية في صنعاء ليست حدثًا يخص الحوثيين وحدهم، بل تترك آثارًا مباشرة على الأمن القومي المصري والسعودي لاعتبارين أساسيين :
1.مصر :
•قناة السويس تمثّل شريانًا حيويًا للاقتصاد المصري، وأي تصعيد في باب المندب يعني تقليص حركة السفن المارة عبرها .
•القاهرة تدرك أن عسكرة البحر الأحمر ستُربك استراتيجيتها البحرية التي لطالما اعتمدت على التوازن بين القوى الإقليمية .
•أي توسّع في نفوذ إسرائيل المباشر بالبحر الأحمر قد يُفسَّر في مصر كاختراق استراتيجي غير مرغوب، يضعها أمام تحديات جيوسياسية إضافية .
2.السعودية :
•رغم مسار المفاوضات غير المباشرة بينها وبين الحوثيين، فإن الضربة الإسرائيلية تعيد خلط الأوراق وتُهدد استقرار “الهدنة الهشة” على حدودها الجنوبية .
•الرياض تُدرك أن أي رد انتقامي حوثي على إسرائيل قد يمتد إلى منشآتها النفطية أو موانئها الاستراتيجية، ما يعيدها إلى مربع الاستنزاف الأمني .
•في البعد الاستراتيجي الأوسع، تجد السعودية نفسها بين مطرقة التفاهم مع الحوثيين وسندان التحالف مع واشنطن وتل أبيب في ملف البحر الأحمر .
خلاصة الخلاصة :
ما جرى في صنعاء أمس لم يكن مجرد استهداف عسكري، بل هو زلزال استراتيجي يضع مصر والسعودية أمام معادلة أكثر تعقيدًا :
•إما الانخراط في “حلف البحر الأحمر” بقيادة أمريكية-إسرائيلية لضبط الحوثيين .
•أو الحفاظ على قنوات التهدئة مع صنعاء لتجنّب تفجير الحدود والمصالح الحيوية .