بحث

من الدوحة إلى الغضب الدولي : كيف قلبت الضربة الإسرائيلية معادلة السلام

الأربعاء 10/سبتمبر/2025 - الساعة: 3:11 ص

 

من الدوحة إلى الغضب الدولي : كيف قلبت الضربة الإسرائيلية معادلة السلام

تحليل استراتيجي - بحر العرب 

 الوضع الراهن

في سابقة تكاد تُعيد تعريف قواعد الاشتباك في المنطقة، أقدمت إسرائيل على تنفيذ ضربة جوية دقيقة داخل قلب الدوحة، استهدفت من خلالها وفدًا رفيعًا من قيادة حركة حماس أثناء انخراطه في مفاوضات غير مباشرة حول وقف إطلاق النار في غزة.

ورغم أن القيادة العليا نجت من الاستهداف المباشر، إلا أن العملية أودت بحياة خمسة من كوادر الحركة، بينهم نجل خليل الحيّة، أحد أبرز مهندسي المفاوضات.

هذا التطور لم يكن مجرد عمل عسكري تقني، بل جاء كـ زلزال دبلوماسي وسياسي هزّ أركان معادلة الوساطة الإقليمية؛ إذ انتقل الصراع من حدود غزة ومحيطها إلى مسرح جديد: عاصمة تُعرف بدورها كمنصة للوساطات والتوازنات، لتتحول فجأة إلى ساحة مواجهة مكشوفة، وتُفتح بذلك صفحة جديدة من معركة تتجاوز الجغرافيا إلى بُعد استراتيجي عالمي يطال أدوار الوسطاء ومفهوم الأمن الإقليمي نفسه.

الأهداف في ميزان الاستراتيجية
    • إسرائيل:
لم يكن هدفها العسكري محصورًا في اغتيال أفراد، بل في إعادة تعريف قواعد اللعبة.

الضربة رسالة ردع تقول: لا حصانة لأحد، حتى في قلب الدوحة. كما تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة جديدة تُسقط قداسة المفاوضات كملاذ آمن، وتضع الوسطاء — قطر ومصر — أمام مسؤولية مضاعفة في كبح حركة حماس وإخضاعها لشروط التهدئة.
    • حماس:
من جانبها، تدرك الحركة أن الهجوم — رغم كلفته — يمكن أن يتحول إلى وقود تعبوي داخلي.

فهي ترفع شعار “دماء القادة ثمن المقاومة”، وتوظّف الخسائر لتعزيز شرعية المواجهة، مع الحرص على الاستمرار في مسار المفاوضات لإظهار الصمود السياسي وعدم الانكسار أمام الضغط الإسرائيلي.
    • قطر:
الدولة الوسيطة تجد نفسها أمام تحدٍ وجودي لدورها الدبلوماسي. فهي مضطرة للدفاع عن سيادتها وهيبتها، وفي الوقت نفسه منع انهيار صورتها كجسر توازن بين الغرب والمقاومة.

أي إخفاق هنا يعني تراجع مكانتها كأحد الأعمدة القليلة المتبقية للوساطة العربية.
    • الولايات المتحدة:
واشنطن تمارس لعبة السير على الحافة: دعم لا محدود لإسرائيل من جهة، مع محاولة ضبط اندفاعها من جهة أخرى.

الهدف الأعمق هو الحفاظ على المسار السياسي الهش الذي ترعاه مع قطر ومصر، وتجنب انهياره بما قد يُشعل المنطقة ويفقد واشنطن السيطرة على إيقاع التصعيد.

الخفايا
    • حسابات التوقيت الإسرائيلي: لم تكن الضربة عشوائية، بل جاءت في لحظة سياسية شديدة الحساسية؛ إذ كانت مفاوضات هدنة غزة تدخل مرحلة اختبار النوايا.

إسرائيل أرادت أن تقول إنها تملك القدرة على قلب الطاولة حتى في ذروة المسار التفاوضي، لتفرض إيقاعها الخاص على المشهد.
    • الإخطار الأميركي المتأخر: إشعار واشنطن بالعملية بعد فوات الأوان يفتح بابين للتفسير: إما أن تل أبيب تعمدت وضع الإدارة الأمريكية أمام الأمر الواقع لانتزاع قبول اضطراري، أو أن هناك خللاً عميقًا في قنوات التنسيق الأمنية بين الطرفين — وهو أمر خطير في علاقة مبنية على ما يُفترض أنه “تناغم استراتيجي مطلق”.
    • الاختبار القطري: الضربة وضعت قطر أمام امتحان سيادة نادر.

فالعاصمة التي بَنَت سمعتها على الحياد والوساطة وجدت نفسها فجأة مسرحًا لصراع دموي.

أي تهاون في الرد أو ضعف في حماية دورها سيؤدي إلى تآكل صورتها كوسيط محايد، وربما فتح الباب أمام دخول قوى أخرى — كتركيا — لتشاركها مساحة الوساطة.
    • حماس بين الرمزية والتنظيم: على المستوى البنيوي، الحركة لم تتعرض لانهيار قيادي مباشر؛ القيادة العليا نجت.

لكن على المستوى الرمزي، تلقّت ضربة قاسية: انكسار وهم “المكان الآمن”. الدوحة لم تعد حصناً محصناً، وهو ما سيجبرها على إعادة التفكير في طبيعة تحركاتها وخياراتها الدبلوماسية.
ما جرى في الدوحة لم يكن مجرد هجوم عسكري، بل عملية مدروسة كشفت هشاشة التوازنات بين الحلفاء، ووضعت قطر وحماس وواشنطن أمام اختبارات تتجاوز حدود الغرف المغلقة لتطال صورتهم ومكانتهم الاستراتيجية في النظام الإقليمي.

المآلات
    1.  إعادة هندسة الوساطة:
الضربة في الدوحة ستُجبر قطر على المطالبة بضمانات أمنية ودبلوماسية دولية تكفل عدم استباحة أراضيها مجددًا.

هذا قد يفتح المجال أمام تركيا لتعزيز حضورها كوسيط موازن، أو حتى لدخول قوى أوروبية تبحث عن موطئ قدم في معادلة السلام.
    2.  تصعيد دبلوماسي ضد إسرائيل:
الإدانات الدولية مرشحة للتحول إلى حملات عزل سياسي أوسع، خاصة بعد توصيف تركيا للهجوم بأنه “ إرهاب دولة ”.

إسرائيل قد تجد نفسها أمام ضغوط غير مسبوقة في المؤسسات الدولية، حتى من شركاء تقليديين بدأوا يتململون من تكتيكاتها.
    3. معضلة حماس:
الحركة أمام خيار استراتيجي حاد:
    • الاستمرار في المفاوضات لتأكيد رصانتها السياسية،
    • أو الانسحاب لتعزيز سردية “ المقاومة بلا شروط ”.
أيًّا كان القرار، ستدفع حماس ثمنًا باهظًا، سواء على صعيد الثقة السياسية أو الشرعية الشعبية.
    4. اختبار لإدارة ترامب:
البيت الأبيض يواجه ضغوطًا داخلية متصاعدة من الكونغرس والإعلام، تتهمه بـ”سوء إدارة التنسيق” مع إسرائيل. هذا قد يُجبر الإدارة على إعادة النظر في آليات الضبط الاستراتيجي للعلاقة مع تل أبيب، وربما على فرض خطوط حمراء أكثر وضوحًا.
    5. شبح التصعيد الإقليمي:
في حال قررت إيران أو وكلاؤها (الحوثيون، حزب الله) الرد بعمليات متزامنة، فإن المنطقة قد تنزلق إلى دائرة أوسع من الصراع متعدد الجبهات.

عندها ستتحول ضربة الدوحة من حادث استثنائي إلى شرارة لإعادة تشكيل خرائط الحرب في الشرق الأوسط

المأساة التي وقعت في الدوحة ليست نهاية حدث، بل بداية تحولات كبرى.

إنها لحظة فارقة تعيد تعريف الوساطة، وتختبر حدود الردع، وتكشف هشاشة التحالفات.

في كل الاحوال :

إسرائيل كسرت قاعدة غير مكتوبة: “العواصم الوسيطة آمنة”، واستهدفت قلب الدوحة.

•قطر في موقف حرج جدًا: لا تستطيع الصمت حفاظًا على السيادة، ولا التصعيد خوفًا من خسارة دورها.

•الرأي العام العربي مشتعل، يرى أن الضربة لم تكن على غزة فقط، بل على “البيت العربي” نفسه

٠ الرد العربي سيكون أضعف من حجم الحدث، غالبًا سيبقى في إطار التنديد والدبلوماسية، مع محاولات متفرقة لاستثمار الموقف سياسيًا.

إسرائيل تراهن على هذا الضعف وتدرك أن العرب منقسمون، لذا وضعت الجميع أمام معادلة جديدة: “لا حرمة لأي عاصمة، حتى لو كانت عاصمة وسيط.

٠ المنطقة كلها باتت على عتبة مرحلة عنوانها: لا ملاذ آمن، ولا ضمانات مُطلقة .

 


📌 الخلاصة الاستراتيجية

لم تعد الدوحة مجرد عاصمة للوساطة أو منصة تفاوضية محايدة؛ لقد تحولت إلى جبهة صراع بالوكالة، تكشف أن الحرب لم تعد محصورة في الميدان الغزّي أو الحدود الإقليمية.

إسرائيل أرادت أن تُعيد تعريف طبيعة المواجهة: فهي لم تعد تدور فقط حول الأرض والسلاح، بل باتت تمتد إلى قاعات التفاوض وغرف الوساطة.

هذه الضربة حملت رسالة صريحة: لا خطوط حمراء، حتى في قلب العواصم الآمنة.

والنتيجة أن النظام الإقليمي يدخل مرحلة جديدة عنوانها انكسار الحصانات التقليدية، حيث تتقاطع القوة العسكرية مع الدبلوماسية في ساحة واحدة.

ما جرى ليس حدثًا عابرًا، بل مؤشرًا على ولادة معادلة إقليمية مختلفة، سيكون لها ما بعدها على مستوى الأمن، والسياسة، وموازين القوى.

متعلقات:

آخر الأخبار