ترامب : تهجير السكان واستبدال البيوت بـ"مدن ذكية" في غزة
بحرالعرب_طاهر هاني:
في الوقت الذي يعيش فيه قطاع غزة تحت ركام حرب مدمرة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين، يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رؤية مثيرة للجدل، وهي تحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". وتقوم الخطة على تهجير السكان واستبدال بيوتهم المدمرة بـ"مدن ذكية" وفنادق فاخرة تحت إدارة أمريكية مؤقتة. ورغم الترحيب الإسرائيلي، تواجه هذه الخطة رفضا عربيا ودوليا واسعا وتحذيرات من خطر "تطهير عرقي" جديد.
رغم تحول غزة إلى منطقة خراب ودمار بعد أكثر من عامين من القصف الإسرائيلي، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال يراها كأرض للاستثمار العقاري وبناء ناطحات سحاب مثل تلك المتواجدة في نيويورك. ويريد ترامب أن تصبح منطقة سياحية شبيهة بـ "الكوت دازور" الفرنسية.
ووفق صحيفة واشنطن بوست التي كشفت عن الخطة التي تعدها إدارة ترامب لما بعد الحرب في غزة، فإنها ستقوم على وضع القطاع تحت إدارة أمريكية لمدة 10 سنوات بهدف تحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
وتنص الخطة، المؤلفة من 38 صفحة، على ترحيل سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة إلى الدول المجاورة أو إلى مناطق "آمنة" داخل غزة المدمرة، على أن يحصل كل من يقبل بالرحيل على 5 آلاف دولار إضافة إلى مساعدات تغطي أربع سنوات من الإيجار وسنة من الغذاء.
أما أصحاب الأراضي، فستُعرض عليهم "رموز رقمية" يمكن استبدالها بشقق في ست إلى ثماني "مدن ذكية" تعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو استخدامها لتمويل حياة جديدة خارج غزة. وتشمل الخطة إنشاء مصانع للسيارات الكهربائية ومراكز بيانات وفنادق بتمويل استثمارات عامة وخاصة.
"الثقة الكبيرة"
ووفق الخطة الأمريكية دائما، ستُنشأ هيئة مؤقتة باسم "الثقة الكبيرة" أي GREAT Trust لإدارة القطاع خلال عقد كامل، قبل تسليم السلطة إلى "كيان فلسطيني إصلاحي ومنفتح وغير متطرف".
وتشير الصحيفة إلى أن بعض الذين صاغوا الخطة هم من الإسرائيليين المرتبطين بـ "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة خاصة مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، سبق أن تعرضت لانتقادات حادة بسبب طريقة توزيعها للمساعدات الغذائية في القطاع.
رفض عربي وتحذيرات دولية
في شهر فبراير/شباط الماضي، طرح ترامب فكرة سيطرة بلاده على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد إخلائها من السكان، والذين يمكن حسب تصوره ترحيلهم إلى مصر أو الأردن. هذه الخطة لاقت ترحيبا واسعا من اليمين الإسرائيلي المتطرف، لكنها قوبلت برفض عربي ودولي واسع، فيما حذرت الأمم المتحدة من خطر "تطهير عرقي" في غزة.
ويرى حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف أن دونالد ترامب لم يتخل عن مخططه رغم أنه يواجه رفضا فلسطينيا وعربيا قاطعا. وقال في حوار هاتفي مع فرانس24: "اللقاء الذي جمعه مع صهره (جاريد) و(رئيس الوزراء البريطاني السابق) توني بلير الأسبوع الماضي يبعث على القلق. فليس من المستبعد أن تثير أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنعقد نهاية الشهر الحالي والتي ستركز على حل الدولتين، غضب ترامب ونتانياهو، إذ أنهما يسعيان لإيجاد خطة بديلة للمشروع السعودي-الفرنسي".
وأضاف عبيدي: "تحويل غزة إلى منتج سياحي هي فكرة من صهره جاريد كوشنر الذي قال بأن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي هو نزاع عقاري. تل أبيب تريد أن تجسد هذا المشروع ميدانيا وذلك عبر سياسة التطهير العرقي المدعومة من قبل دونالد ترامب".
"إعلان ترامب مجرد إثارة إعلامية"
يؤكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف أن الرئيس الأمريكي مارس ضغوطات شديدة وفرض عقوبات على كل من مصر والأردن لقبول اقتراحه، لكن البلدين يعيان بأن تهجير الفلسطينيين بشكل قسري يشكل خطرا على أمنهما الوطني. وبالتالي قبوله هو بمثابة خيانة وتصفية للقضية الفلسطينية".
وأنهى: "الغزيون لن يقبلوا أبدا بعمليات ترحيل جماعية من أراضيهم. قبول مشروع ترامب في غزة يعني قبول تشييد مستوطنة فاخرة جديدة وسرقة أراض فلسطينية".
أما الأكاديمي والباحث السياسي المصري محمود الأفندي، فلقد رأى بأن إعلانات ترامب مردها إثارة وسائل الإعلام لا أكثر. فهو رجل التشويق الإعلامي والأحلام فقط لأن الأدوات الضرورية لإنتاج هذا المشروع (تحويل غزة إلى منطقة سياحية وعقارية) غير موجودة حاليا".
وتابع: "إلى أين سيذهب الفلسطينيون خاصة وأن عددهم ازداد بعد الحرب بسبب ارتفاع عدد الولادات. وبالإضافة إلى هذا، مشروع ترامب صعب التحقيق. فكيف يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة تهجير مليون ونصف فلسطيني خارج أراضيهم؟. وإذا قارنا ذلك بحرب 1948 والتهجير الذي حدث وحرب 1967، لم يكن عدد الفلسطينيين الذين هجروا كبيرا، وكانت أربع دول قد قبلت استقبالهم وهي سوريا، ومصر، والأردن، ولبنان. لكن الآن لا توجد دولة تريد القيام بذلك".