شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم
مـــصـــطــفـــى بن خالد
نحو تحالف إقليمي لصناعة السلام في اليمن:
القيادة الإقليمية، الشراكة الدولية، وتحييد الفاعلين ذوي النفوذ المباشر
بعد أكثر من عقد من الصراع، لم تعد الأزمة اليمنية تعاني من نقص المبادرات بقدر ما تعاني من اختلال في بنية إدارتها إقليمياً ودولياً.
فقد تركزت الجهود السابقة على احتواء تداعيات الحرب، دون معالجة جذورها العميقة المتمثلة في انهيار الدولة، وتفكك العقد الوطني، وتحويل اليمن إلى ساحة صراع مفتوحة بين فواعل محلية وأطراف إقليمية ودولية متنافسة.
إن اللحظة الراهنة، بما تحمله من تحولات إقليمية وتراجع في شهية الصراع، تفتح نافذة حقيقية لإعادة التفكير في مقاربة مختلفة، تنتقل من إدارة الأزمة إلى صناعة سلام عادل وشامل ومستدام، تقوده المنطقة، ويُبنى على أسس الدولة اليمنية الواحدة.
أولاً: لماذا نحتاج إلى تحالف إقليمي جديد؟
أثبتت التجربة أن غياب قيادة إقليمية متوازنة لمسار السلام اليمني أدى إلى:
1. تضارب الأجندات الإقليمية
2. تعدد مراكز القرار
3. تآكل فرص التسوية السياسية
4. تمكين الفواعل المسلحة على حساب الدولة
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تحالف إقليمي عربي واضح القيادة، لا يعمل بديلاً عن الأمم المتحدة، بل سنداً سياسياً واستراتيجياً لها، وقادراً على توحيد الرؤية الإقليمية حول هدف واحد:
استعادة الدولة اليمنية وإنهاء الحرب.
ثانياً: نواة التحالف الإقليمي المقترح
تتشكل نواة التحالف من:
المملكة العربية السعودية، سلطنة عُمان، جمهورية مصر العربية، دولة قطر، دولة الكويت، والمملكة الأردنية الهاشمية.
ويقوم هذا الاختيار على تكامل أدوار موضوعي:
• السعودية وعُمان: الجوار المباشر، والتأثير الحاسم في مسارات الصراع والسلام
• مصر: الثقل العروبي والسياسي والعسكري المرتبط بالأمن القومي العربي الشامل وتأمين البحر الأحمر وباب المندب
• قطر والكويت: الخبرة في الوساطة وبناء التوافقات، والتنمية، المستدامة
• الأردن: الخبرة المؤسسية في دعم بناء الدولة وإصلاح القطاع الأمني
هذا التحالف ليس موجهاً ضد طرف، ولا يهدف إلى إعادة توزيع النفوذ، بل يقوم على مبدأ واحد:
دعم الدولة اليمنية لا إدارة فواعلها.
ثالثاً: الأرضية السياسية ومبادئ التحالف
لضمان فاعلية هذا الإطار، يجب أن يستند إلى مبادئ واضحة:
1. تقديس وحدة الأرض والمصير اليمني، باعتباره جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي
2. الالتزام بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية
3. دعم نموذج الدولة الاتحادية المدنية العادلة
4. رفض عسكرة السياسة ومنطق الغلبة
5. تحييد اليمن عن صراعات المحاور الإقليمية
هذه المبادئ تمثل عقداً سياسياً ناظماً لا تسوية مؤقتة.
رابعاً: الشراكة الدولية الضامنة دون وصاية
لا يمكن لأي مسار سلام في اليمن أن ينجح دون دعم دولي فاعل.
غير أن هذا الدعم يجب أن يُصاغ في إطار شراكة ضامنة لا قيادة بديلة.
وفي هذا السياق، يبرز دور:
الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي بوصفهم:
• داعمين سياسيين للعملية
• ضامنين لاحترام الاتفاقات
• مساهمين في إعادة الإعمار
• شركاء في حماية الملاحة الدولية
ويُحصر دور الشركاء الدوليين في توفير الضمانات والدعم، وربط السلام في اليمن بأمن المنطقة والعالم، بما يجعلهم داعمين لمسار تقوده المنطقة ويملكه اليمنيون، لا أطرافاً تُديره ولا قوى تُعيد إنتاج الوصاية عليه.
خامساً: تحييد الفاعلين ذوي النفوذ المباشر
يتطلب أي مسار سلام مستدام التعامل بواقعية مع الدول ذات التأثير المباشر في الصراع اليمني.
فبعض هذه الدول، بحكم انخراطها في دعم فواعل محلية مسلحة، لا يمكن أن تضطلع بدور الوسيط أو القائد لمسار السلام، لكنها في الوقت ذاته لا يمكن تجاوزها أو تجاهل نفوذها.
وفي هذا الإطار، يبرز ضرورة إدماج دول ذات تأثير مباشر، مثل الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن أطر إقليمية منضبطة، تهدف إلى:
• تحييد أدوارها السلبية
• منع توظيف اليمن في صراعات إقليمية أوسع
• توجيه نفوذها نحو دعم تسوية سياسية شاملة
إن هذا الإدماج لا يمنح شرعية للتدخل، بل يفرض عليه قيوداً سياسية وأخلاقية، ويمنع تحوله إلى عامل تعطيل دائم.
سادساً: اليمن وأمن البحر الأحمر وباب المندب
يمثل اليمن ركناً أساسياً في أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
وقد أثبت غياب الدولة اليمنية أن عسكرة السواحل وتسييس الممرات البحرية يشكلان تهديداً مباشراً للتجارة العالمية وأمن الطاقة.
إن بناء دولة يمنية مستقرة، قائمة على شراكة داخلية حقيقية، هو الضمانة الوحيدة لاستعادة السيطرة المؤسسية على السواحل والموانئ، وحماية الملاحة الدولية، وهو ما يجعل السلام في اليمن مصلحة إقليمية ودولية مشتركة.
الخلاصة:
من إدارة الأزمة إلى صناعة السلام
لم يعد اليمن بحاجة إلى مزيد من الرعاة، بل إلى تحالف إقليمي يقود، وشراكة دولية تضمن، وإطار منضبط يحيّد الفاعلين المعطِّلين.
إن الانتقال من إدارة الأزمة اليمنية إلى إنهائها يتطلب رؤية تتجاوز الحسابات الضيقة، وتضع الدولة اليمنية في صلب أي تسوية.
تحالف إقليمي عربي متوازن، مدعوم بشراكة دولية دون وصاية، وقادر على تحييد التدخلات السلبية، يمكن أن يشكل نقطة التحول الحقيقية نحو سلام عادل وشامل ومستدام في اليمن، بما يخدم شعبه، ويعزز أمن المنطقة، ويحمي مصالح العالم.