بحث

جنوب بلا مشروع… قراءة نقدية في خطاب الانفصال ومآلاته

محمد ناصر عجلان

 

جنوب بلا مشروع… قراءة نقدية في خطاب الانفصال ومآلاته


بقلم الصحفي/ محمد ناصر عجلان 


​في ظل واحدة من أعقد المراحل السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، يطفو على السطح خطاب انفصالي يرفع شعارات فضفاضة دون تقديم مشروع وطني واضح المعالم أو رؤية قابلة للحياة. فما يُطرح باسم "الجنوب" اليوم، لا يتجاوز كونه خطاباً تعبوياً يفتقر إلى الركائز الاقتصادية والسياسية التي تؤهله ليكون كيانًا مستقلاً مستداماً.
​عند تفكيك هذا الخطاب، نصطدم بغياب تام لبرنامج الدولة؛ فلا تصور لبناء المؤسسات، ولا خطط للتنمية الشاملة. وبدلاً من ذلك، نجد صراعات نفوذ، ونزعات مناطقية ضيقة، وتنافساً محمموماً على الموارد المحدودة، وسط غياب شبه كامل لمفهوم الدولة الحديثة. إن المناطق التي يُروّج لها كنواة لـ "الدولة المنشودة" تعاني اليوم من هشاشة بنيوية، وتدهور خدمي مريع، واعتماد كلي على التجاذبات الخارجية.
​والأخطر من ذلك، أن هذا المشروع لم يقدم إنجازات ملموسة للمواطن، بل ارتبط في الأذهان بحالات من الفوضى الأمنية، والتضييق على الحريات، وتصفية الخصوم، مما حوله في نظر الكثيرين إلى عبء إضافي بدلاً من أن يكون مخرجاً للأزمة. إن منطق "استعادة الدولة" لا يستقيم أبداً مع غياب العدالة، وتفشي الفساد، وتحويل السلاح إلى أداة لفرض الأمر الواقع.
​إن المبالغة في الخطاب الشعبوي لم تعد تقنع الشارع الذي يطحن تحت وطأة الغلاء وغياب الخدمات؛ فالمواطن يبحث عن الأمن والعيش الكريم، لا عن شعارات تُضاف إلى سجل الإخفاقات. كما أن محاولات فرض الانفصال عبر التحريض أو قوة السلاح لن تنتج دولة مستقرة، بل ستعمق الانقسامات المجتمعية وتفتح أبواباً لصراعات استنزافية لا نهاية لها.
​خلاصة القول، إن أي مشروع سياسي لا يقوم على رؤية جامعة، ولا يقدم نموذجاً للحكم الرشيد، ولا يحترم التنوع الاجتماعي والجغرافي، سيظل مشروعاً هشاً مهما علا صجيجه. فالدول لا تُبنى باللافتات، بل بالمؤسسات، والشرعية، وصون كرامة الانسان.

آخر الأخبار