بحث

الجنوب بين فوهة البندقية وممرات الأمم المتحدة كيف تُبنى الدول بالملفات لا بالمعتقلات؟

فيروز الوالي

 

الجنوب بين فوهة البندقية وممرات الأمم المتحدة
كيف تُبنى الدول بالملفات لا بالمعتقلات؟

بقلم :د. فيروز الولي 

منذ أربع سنوات، والجنوب لا يسير نحو “الاستقرار” بقدر ما يسير نحو تكديس البنادق، ولا يتجه إلى “بناء الدولة” بقدر ما يتجه إلى بناء السجون.
ففي كل محافظة جنوبية تقريبًا:
جيش جديد
قوة نخبة
حزام أمني
دعم خاص
سجن رسمي
وسجن “غير رسمي”
وراية مختلفة…
وكل ذلك باسم “الأمن”.

أولًا: التحليل النفسي – عقلية السلاح لا عقل الدولة
العقل الجمعي المسيطر اليوم في الجنوب هو عقل القلق الوجودي:
خوف من الشمال، خوف من الداخل، خوف من الحليف قبل الخصم.
وعندما يخاف العقل، فإنه لا ينتج دولة… بل ينتج مليشيا.
السلطة التي تحتاج إلى عشرة جيوش لتحمي نفسها، هي سلطة غير واثقة من شرعيتها.
والقائد الذي يكثر من السجون، يعترف ضمنيًا أن خطابه لا يقنع.

ثانيًا: التحليل الاجتماعي – مجتمع مُسلّح لا مُستقر
المجتمع الجنوبي اليوم ليس مجتمعًا مدنيًا، بل مجتمع نقاط تفتيش.
الهوية لم تعد “مواطنة”، بل “تابع لأي قوة؟”.
هذا التفكك الاجتماعي:
يُحوّل الجار إلى مشتبه
والمدينة إلى ثكنة
والشباب إلى وقود جاهز لأي اقتتال
والمفارقة الساخرة؟
كل ذلك يحدث باسم “منع الاقتتال”.

ثالثًا: التحليل الثقافي – ثقافة الدولة أم ثقافة الغنيمة؟
الدولة تُبنى بالقانون،
أما ما يجري في الجنوب فيُدار بثقافة:
“من يسيطر على الأرض يكتب الحقيقة”.
لكن العالم لا يعترف بالأرض وحدها،
العالم يعترف بـ:
وثائق
قرارات
ملفات
شرعية قانونية
والبندقية… لا تُترجم في نيويورك.

رابعًا: التحليل السياسي – غياب الدبلوماسية وحضور الفوضى
السؤال البديهي: لماذا لا يتحرك الدبلوماسيون الجنوبيون؟
لماذا لا تتحرك “الشرعية”؟
لماذا لا تُقدَّم ملفات قانونية للأمم المتحدة بدل تقديم المعتقلين للمخابرات؟
إن كانت هناك رغبة حقيقية في:
دولة جنوبية
أو تقرير مصير
أو استقلال
فالطريق واضح: الأمم المتحدة، لا المتارس.
لكن يبدو أن:
بعضهم لا يجيد إلا لغة السلاح
وبعضهم يخشى الملفات لأنها تفضح التناقضات

خامسًا: التحليل الاقتصادي – اقتصاد السلاح لا يبني وطن
الجنوب اليوم:
موانئ بلا سيادة
ثروات بلا إدارة
رواتب بلا استدامة
اقتصاد المليشيات يعيش على:
الدعم الخارجي
الفوضى
استمرار التوتر
أما الدولة، فتحتاج:
استقرار
مؤسسات
شفافية
ولهذا… الدولة مؤجلة.

سادسًا: التحليل العسكري – جيوش بلا عقيدة وطنية
أي جيش هذا الذي:
لا يخضع لقيادة واحدة؟
لا لعقيدة وطنية؟
ولا لبرلمان؟
ولا لدستور؟
إنه ليس جيش دولة،
بل مجموع جيوش تنتظر شرارة.
والتاريخ اليمني يقول بوضوح:
“عندما تكثر البنادق… يندر العقل”.

سابعًا: التحليل الدبلوماسي – الملف أقوى من الرصاصة
لو كان هناك عقل سياسي واعٍ، لحدث التالي:
تشكيل فريق قانوني جنوبي محترف
توثيق كل المظالم منذ 1994
إعداد ملف تقرير مصير متكامل
تقديمه رسميًا للأمم المتحدة
فتح مسار دولي لا دموي
لكن بدل ذلك:
تصريحات
استعراضات
وتهديدات لا تُقرأ خارج تويتر

ثامنًا: التحليل الإعلامي – خطاب تعبوي لا دولي
الإعلام الجنوبي اليوم:
يخاطب الشارع
لا يخاطب العالم
يشتم أكثر مما يُقنع
ويحرّض أكثر مما يُفسر
والدول لا تُقام بالهتاف،
بل بالخطاب القانوني الرصين.

الرؤية: كيف نمنع الانفجار؟
وقف فوري للتوسع العسكري الداخلي
إغلاق المعتقلات خارج القانون
توحيد القوات تحت قيادة مدنية انتقالية
تحويل الصراع من عسكري إلى دبلوماسي
إشراك المجتمع المدني لا إقصاؤه
إعداد ملف دولي حقيقي بدل شعارات محلية

الخلاصة الساخرة المؤلمة
إذا كان حلم الجنوب هو الدولة،
فالدولة لا تولد من رحم السجن.
وإذا كان الهدف هو الاستقلال،
فالاستقلال لا يُنتزع من صدور الفقراء،
بل يُنتزع من طاولة الأمم المتحدة.
أما استمرار هذا المسار،
فسيقود إلى نتيجة واحدة: جنوب مُسلّح… بلا دولة،
ودم جاهز… بلا قضية.

آخر الأخبار