بحث

المناضل عاطف المغاوري: من السياسة الحزبية إلى الفعل التشريعي

مصطفى بن خالد

 

شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم 
مـــصـــطــفـــى بن خالد

المناضل عاطف المغاوري: من السياسة الحزبية إلى الفعل التشريعي

قراءة هادئة في مسار نائب يساري داخل معادلة الدولة

في لحظة سياسية تتسم بتراجع الأدوار الحزبية الكلاسيكية، وبتقدّم منطق التكنوقراط والتحالفات الواسعة، يبرز اسم عاطف المغاوري كأحد النماذج التي حافظت على حضورها داخل المشهد العام من بوابة العمل الحزبي المنظم، لا عبر الصدام، ولا عبر الشعبوية، بل من خلال التراكم السياسي الهادئ داخل مؤسسات الدولة.

ينتمي المغاوري إلى حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، أحد أقدم أحزاب اليسار المصري، والذي شكّل – تاريخياً – مدرسة سياسية قائمة على مفاهيم العدالة الاجتماعية، والدولة الوطنية، والاستقلال الاقتصادي. 

وفي هذا السياق، لا يمكن قراءة مسار المغاوري خارج الإطار الفكري والسياسي الذي أنتجه هذا الحزب، ولا خارج التحولات التي فرضها الواقع السياسي المصري خلال العقدين الأخيرين.

من النضال الخطابي إلى السياسة المؤسسية

يمثّل عاطف المغاوري نموذجاً مختلفاً عن الصورة النمطية لـ"المناضل" في المخيال العام. 

فهو لم يسلك طريق المواجهة الصاخبة أو المعارضة الصدامية، بل اختار مساراً أكثر تعقيداً وأقل جاذبية إعلامية: 
العمل من داخل المؤسسات.

هذا الخيار، الذي يُساء فهمه أحياناً، يعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة الدولة الحديثة، حيث لم يعد النضال حكراً على الشارع، بل بات يتموضع داخل التشريع، واللجان، وصياغة السياسات العامة. 

ومن هنا، يمكن فهم انتقال المغاوري من العمل الحزبي إلى الموقع النيابي بوصفه تطوراً طبيعياً، لا تناقضاً مع تاريخه السياسي.

العمل البرلماني: نضال بالقانون

في مجلس النواب، تميّز المغاوري بنشاط تشريعي ملحوظ، خصوصاً في القضايا ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي. 
مواقفه من قوانين مثل:
 • الإيجار القديم
 • إدارة المرافق العامة
 • الخصخصة
 • الإجراءات الجنائية

لم تكن مواقف احتجاجية مجردة، بل جاءت في صيغة نقد قانوني منضبط، يوازن بين متطلبات الاستقرار ومقتضيات العدالة الاجتماعية.

وهنا تحديداً تتجلى خصوصية تجربته: 
فهو نائب لا يرفع شعارات كبيرة، لكنه يصرّ على تسجيل المواقف، وعلى إدخال التحفّظات في محاضر الجلسات، وعلى تمثيل الصوت اليساري داخل فضاء تشريعي يغلب عليه الطابع البراغماتي.

رئيس هيئة برلمانية… لا متحدث باسم سلطة

تولّيه رئاسة الهيئة البرلمانية لحزب التجمع لم يكن منصباً شكلياً، بل موقعاً أتاح له لعب دور الوسيط بين الحزب والدولة، وبين المعارضة الرمزية ومنطق التوافق الوطني.

 وقد حافظ، في هذا الدور، على خطاب سياسي متزن: 
لا عدائي، ولا تبريري، بل تحليلي نقدي.

هذا الموقع جعله أحد الأصوات القليلة داخل البرلمان التي تحاول الحفاظ على معنى "التعددية"، حتى في ظل تحالفات انتخابية كبرى، مثل "القائمة الوطنية من أجل مصر".

هل هو مناضل؟ 
سؤال المفهوم لا الشخص

وصف عاطف المغاوري بـ"المناضل" يظل مرهوناً بتعريف النضال ذاته. 
فإن كان النضال يعني الصدام، والسجن، والهتاف، فالرجل لا يندرج ضمن هذا التصنيف الكلاسيكي.

أما إذا كان النضال يعني:
 • الاستمرار داخل العمل العام
 • الدفاع عن أفكار العدالة الاجتماعية
 • ممارسة السياسة دون انزلاق إلى الشعبوية
 • القبول بتكلفة العمل المؤسسي الطويل

فإن تجربة المغاوري تمثل نمطاً جديداً من النضال الهادئ، الذي قد لا يثير العناوين، لكنه يترك أثره في البنية التشريعية والسياسية.

خلاصة استراتيجية:

عاطف المغاوري ليس ظاهرة سياسية، ولا زعيماً جماهيرياً، لكنه سياسي محترف، ينتمي إلى جيل اختار أن يُقاوم بالتراكم، لا بالضجيج، وأن يُعارض من داخل النظام، لا من خارجه.

وفي زمن تتقلص فيه المساحات بين الدولة والأحزاب، يصبح وجود مثل هذه الشخصيات ضرورة سياسية، لا ترفاً، لأنها تحفظ الحد الأدنى من التنوع، وتذكّر بأن السياسة ليست فقط صراعاً، بل أيضاً فن إدارة الممكن.

آخر الأخبار