ما يتعرض له الوطن من تشققات ومخاطر تتهدد مصير ومستقبل وحدته أمر محزن حد البكاء، لكنه -بالتأكيد- ليس وليد اللحظة أو الصدفة، بل تم ويتم بترتيب مدروس داخلي وخارجي.. أي أن خطواته رسمت بعناية، ونفذت بعناية أيضا.. وأقول لكم كيف.. ؟!
وباختصار "المجلس الانتقالي" كان ولا يزال هو الحاضر الفاعل الوحيد، وهو الآمر الناهي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، بينما الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي مجرد "كوز مركوز".. يمرر رئيسه ما يُطلب منه.
• تتذكرون بعد 111 يوما من تعيين، أصدر الرئيس العليمي حزمة قرارات عززت من سيطرة ونفوذ الانتقالي ومشروعه الانفصالي، وأقصت القيادات الوحدوية من محافظاتها عن طيب خاطر.
• أحكمت الأحزمة والنخب قبضتها الأمنية على عدن وبقية المحافظات، وهي تشكيلات تتبع الإمارات تمويلا وتاهيلا وعقيدة وولاء.
• يعلم العليمي ومجلس القيادة أن الامارات واصلت عسكرة الشريط الساحلي اليمني، بما فيها الجزر من سقطرة والمهرة شرقا حتى ميون والجزر في البحر الأحمر غربا، ولم تحرك الشرعية ساكنا.
• أكثر من 20 سجناً "أبو غريب إماراتي" في عدن والمحافظات تحت سيطرتها.. لم يسأل عن حالها لا العليمي، ولا أي عضو من مجلس القيادة، ولا يدرون حجم الانتهاكات التي تمارس بداخلها ضد المعتقلين.
• تحاشى الدكتور العليمي الاحتفال بيوم الوحدة (اليوم الوطني) أو حتى الحديث عن الوحدة طيلة ثلات سنوات من توليه المنصب، وقبل وزملاؤه أن يكونوا ضيوفا ثقلاء غير مرغوب فيهم في معاشيق.. وتذكرون قصة "تورتة" العميد طارق، التي صادرتها حراسة الانتقالي وداستها بالبيادات حتى يمنعوه من الاحتفال بيوم الوحدة.
• ثم ماذا عن "قوات درع الوطن" التي أصدر العليمي قرارًا بإنشائها بإشرافه، وهي ليست وطنية.. بل مجرد شركة أمنية سعودية التمويل والتدريب والعقيدة والولاء .. أين هي، وماذا فعلت؟!
هي تنسحب من كل المحافظات الجنوبية لحماية الحدود السعودية ثم لها دور لاحق، هي لم تتمكن حتى من حماية الرئيس العليمي عند مغادرته عدن لأن مهمتها ثانية.
أين المفاجأة؟!
عندما بدأت قوات الانتقالي تتحرك من شبوة باتجاه حضرموت قبل أسبوع من اجتياحها، كان الرئيس العليمي (رعاه الله) يراقب المشهد من معاشيق، ولكنه لم ينبس ببنت شفه.. فأين المفاجأة ؟!!
من هنا، لم يكن غريبا أن تقتحم قوات الانتقالي المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت دون أن تواجه بأية مقاومة، بل تمت عملية تسليم واستلام .. وكان بإمكان الرئيس العليمي إن أراد أن يتواصل بقائد المنطقة محمد الجعيملاني، الذي عينه في المنصب في ديسمبر 2024. ويوجهه بما يحفظ له ماء الوجه، ويحفظ للجيش الوطني كرامته.
المفاجأة الكبرى أن المجلس الانتقالي أقام احتفاله لمناسبة الذكرى 56 للاستقلال على بعد أمتار من غرفة نوم الرئيس العليمي، وكان صوت الميكرفون يجلجل في ساحة العروض باسم جيش "دولة الجنوب العربي" ويصدح باسم "فخامة الرئيس" عيدروس الزبيدي، وإلى جانبة وزير خارجية العليمي ووزير دفاعه وهو يؤدي التحية لعلم الانفصال.
كل ذلك يتم جهارا نهارا ثم ببساطة يأتي من يستغفل الناس ويقول: إن تحركات الانتقالي كانت "أحادية" ومفاجئة ودبرت بليل.. ولم يجرؤ أحدُ أن يعلق بكلمة واحدة إلا بعد أن ترك عدن والتقى بالسفير آل جابر..!!
وأخيرا، هذا العويل ولطم الخدود على إنزال العلم الجمهوري وإهانته في حضرموت، مع أنه يُنزل ويُهان ليل نهار في كل المدن والمواقع منذ الرئيس هادي، ولم نعد نرى على أسطح المؤسسات الرسمية في عدن ومحافظات الجنوب إلا علم الانفصال والإمارات، وللأسف لم نسمع صوتا معارضا، لا من العليمي ولا من أي عضو يدعي حرصه على "الوحدة" من مجلس الثمانية خلال فترة سيطرتهم على البنك والوظيفة العامة.
كل هذه التجاوزات لم تغضب الدكتور الرئيس رشاد، والمسألة الوحيدة التي أغضبته هي إصدار عيدروس الزبيدي لمجموعة من قرارات التعيين الرئاسية، وكلنا تابع السجال حولها لأنها مست مصالح حيوية لأعضاء مجلس القيادة.
أنا هنا لا أقدم هذه الحقائق لإدانة أو تخوين العليمي أو أي من زملائه في المجلس معاذ الله فهو رئيس ودكتور ويملك عقلا يتسع لكل المحافظات تحت سيطرة الانتقالي أو المحررة أو تحت سيطرة الحوثيين، وصدره يتسع للمحويت وريمة وحجة وذمار كما يتسع لتعز .
من هناـ أقول لكم وبصراحة ما فعله الانتقالي لم يكن إنقلابًا على "الشرعية" كما يصوره البعض، بل هو اجراء رتب له باحكام من قبل الرياض وابوظبي، ونُفذ في وضح النهار وعلى مهل ومراى ومسمع من الجميع لتسوية الملعب... أما "الشرعية" فليست في العير ولا في النفير..
فلا تكثروا من الولولة، وكله في امبيت..!!