المخبر الذي صار رئيساً… والمواطن الذي صار في العراء
بقلم:د. فيروز الولي
في اليمن، لا تحتاجُ الدولة إلى انقلاب عسكري كي تسقط… يكفي أن يصعد مخبر إلى كرسي الحكم، ويُرمى المواطن إلى قارعة الطريق.
الأول أصبح رئيساً “شرعياً” بلا دستور، والثاني أصبح مواطناً بلا وطن… لأن الاثنين معاً أُكل حقهما في الحياة:
الحوثي والعليمي… أسوأ ما مرّ على اليمن منذ عقود.
هنا تولد المأساة:
كيف تحوّل الجلاد إلى حاكم؟
كيف أصبح الصامت خائفاً من الكلام؟
وكيف انقلبت الدولة إلى غرفة مظلمة تُدار من اللاشيء… بينما الشعب يقف أمام التاريخ يسأل:
إلى أين؟
أولاً: التحليل النفسي – انفصام جماعي
اليمني اليوم يعيش بين شخصيتين:
واحدة في الشارع تحلم بدولة، وأخرى في الصندوق الانتخابي تصوّت للدمار نفسه.
القيادات بدورها تعيش مرضاً أخطر:
هوس السلطة، عقدة الخلاص الإلهي، رغبة في الانتقام من مجتمع لم يذنب سوى أنه وُجد بينهم.
الحوثي يلعب دور “المخلّص”، والعليمي يلعب دور “الرئيس”، والشعب يلعب دور “المذنب”.
ثانياً: التحليل الاجتماعي – مجتمع ضُرب في عموده الفقري
المجتمع انقسم إلى طبقتين:
طبقة تبحث عن لقمة الخبز… وطبقة تبحث عن لقمة السلطة.
الأولى مسحوقة… الثانية شرهة.
الأم تُعد الحليب بالدّين، والطفل ينام على صوت المدفع، والشاب يتعلّم أسماء المنافذ قبل أسماء الجامعات.
جيل كامل ولد بجواز سفر مكسور… وأحلام محاصرة.
ثالثاً: التحليل الثقافي – ثقافة تحت الركام
الثقافة في اليمن أصبحت ترفاً…
المكتبات ديكور، الجامعات مصانع أوراق، والمفكرون غرباء عن بلد فقد شهيته للوعي.
يُمنع العقل من الوصول إلى السلطة… ويُستدعى الجهل إلى المنصب.
الدولة لا تُدار بفكرة… بل بفتوى ومذكرة استخبارات.
رابعاً: التحليل السياسي – دولة بلا دولة
الحوثي بنى “ثورةً بجدار السجون”…
والعليمي بنى “شرعيةً بجدار الفنادق”.
الأول يرى الشعب غنيمة حرب…
والثاني يراه ملف إدارة وتنسيق.
السياسة في اليمن ليست مشروع حكم… بل مشروع احتفاظ بالكرسي.
السلطة هنا ليست عقداً اجتماعياً… بل عقد بيع مؤجل للوطن.
خامساً: التحليل الاقتصادي – جوع علني وثروة مخفية
الاقتصاد اليمني تحوّل إلى نكتة حزينة:
عملة تسقط… أسعار ترتفع… موارد تُنهب… وشباب يهربون خارج البلاد.
الحوثي يحوّل الجبايات إلى رصيد للحرب،
والعليمي يحوّل المناقصات إلى شبكة نفوذ.
صار التاجر شريك الحرب… والمواطن ضحية التجارة.
سادساً: التحليل العسكري – بندقية بلا علم
لا جيش موحد، ولا عقيدة وطنية، ولا قيادة تستوعب أن الحرب ليست “تغريدة”.
السلاح يُوزع على الرايات… لا على الوحدات.
النصر في الإعلام… والخسارة في الميدان.
الحوثي انتصر على الشارع…
والعليمي انتصر على الشاشات…
والجيش خسر من الجهتين.
سابعاً: التحليل الدبلوماسي – مشهد بلا ممثل
الدبلوماسية اليمنية تتحرك مثل ظل دون جسد:
المبعوثون يبحثون عن “الدولة” ولا يجدون إلا أسماء،
والعالم يعامل اليمن كملف إغاثة لا كدولة تاريخ.
خطابنا بالخارج يشبه التسول السياسي:
ما المطلوب منّا؟ بدل: هذا ما نريده نحن.
المأساة اليمنية فيلم طويل ممل:
مخبر صار رئيساً… ومواطن صار مشرداً.
من يبيع الكلام يمتلك حكومة…
ومن يبيع الدم يمتلك قبراً.
البطل دائماً مجهول…
والخاسر دائماً واضح: الشعب.
اليمن بلد يملك حضارة الملوك… ويعيش حياة المشردين.
يمتلك بحراً ونفطاً وجغرافيا قادرة على صنع دولة إقليمية…
لكنه يُدار بمنطق قبيلة صغيرة… ودفتر عتيق في مكتب مخابرات.
الحوثي والعليمي ليسا أشخاصاً فقط…
هما نتيجة انتحار النخب وغياب الدولة.
الخاتمة – صفعة على وجه العبث
لن يخرج اليمن من هذا الجحيم بترقيع الخراب… ولا بانتظار “زعيم المعجزة”.
اليمن سقط يوم أصبح المخبر رئيساً… والمواطن غريباً في وطنه.
العبث ليس في شخصين فقط… بل في العقل الذي سمح بتحويل الدولة إلى مزرعة، والمواطن إلى صمت.
اليمن أمام خيارين:
إما أن يتحول الشعب إلى مشروع دولة… أو يبقى مشروع مادة خام لآخرين.
الدولة ليست معبداً ولا مكتب أمن…
الدولة عقد يحمي المواطن قبل أن يحمي السلطة.
رؤيا للخروج من العبث – خارطة بلا رومانسية
1- إسقاط قداسة الأشخاص
لا قائد معصوم… ولا رئيس مُلهَم.
المؤسسات هي الحل… الأشخاص جزء من المشكلة.
2- صناعة نخبة جديدة
جيل لا يتم تشغيله بالريموت الخارجي:
لا طائفية، لا قبلية سياسية، لا استخبارات.
جيل يفهم أن السياسة علم لا ثأر.
3- عقد اجتماعي جديد
دستور يُكتب في قاعة مفتوحة… لا في غرفة مغلقة.
يعرف حدود السلطة… ويحمي المواطن.
4- جيش وطني واحد
عقيدة واحدة… علم واحد.
جيش لحماية البلاد لا لحماية القائد.
5- اقتصاد ينتمي لليمن
استعادة المنافذ، إدارة الموارد، إنهاء اقتصاد الحرب، قضاء مستقل.
طعام على الطاولة… قبل شعارات على المنصة.
6- دبلوماسية تعيد الهيبة
اليمن ليس ملف إغاثة دولية… اليمن دولة.
الهيبة تبدأ من الداخل… لا من أبواب المبعوثين.
الخلاصة المختزلة
عندما يصبح المواطن أقوى من المخبر… تولد الدولة.
عندما تفوز الفكرة على الرصاصة… يبدأ التاريخ الجديد.
اليمن لا ينتظر معجزة…
اليمن ينتظر قراراً شجاعاً: لا عبث بعد اليوم.
هذه ليست النهاية… بل بداية إذا أراد الشعب أن يبدأ.