بحث

برلمان بلا شعب: حيث تُشرّع الحسابات البنكية وتُصادر الأصوات

فيروز الوالي

برلمان بلا شعب: حيث تُشرّع الحسابات البنكية وتُصادر الأصوات

بقلم: [د.فيروزالولي]

مدخل تشريعي... نحو الفنادق

في بلد لم يشهد انتخابات برلمانية منذ 2003، ما زال البرلمان اليمني يُعرض علينا كهيئة "شرعية". لكن واقع الحال يُثبت أن هذه المؤسسة لم تعد سوى مسرحية جغرافية حزبية ممتدة، بطاقم تمثيلي مهترئ، وأداء خاضع لأوامر البنك والهوى المناطقي. لقد تحوّل "مجلس النواب" إلى منتدى للفنادق الفاخرة، حيث يجتمع نوابه لا لمساءلة الحكومة، بل لتفقد أرصدتهم البنكية، وتحديث جداول المرتبات المؤجلة!

أولًا: المسرح الجغرافي – من يملك مقاعد العرض؟

دعونا نبدأ بتوزيع الدوائر الانتخابية:
وفقًا لآخر تقسيم رسمي للدوائر البرلمانية، نلاحظ ما يلي:

المحافظة عدد الدوائر البرلمانية

تعز 39
إب 36
الحديدة 34
صنعاء (المدينة) 19
عدن 10

هذا يعني أن البرلمان الفعلي هو برلمان تعز وإب والحديدة، بينما بقية المحافظات تلعب دور "الضيوف الرمزيين". وكأن العاصمة صنعاء وعدن تشاركان في جلسات البرلمان كمراقبين دوليين لا كمُمثلين محليين!

وهكذا، لم تعد الجغرافيا في البرلمان تعني توزيعًا متوازنًا، بل خريطة نفوذ حزبي وسلالي، حيث يحكم الجنوب 10 مقاعد فقط، بينما تزدحم المناطق الشمالية الغربية بالنواب والولاءات.

ثانيًا: انهيار الكتلة الحزبية – من يملك الصوت... ومن يملك الرصيد؟

نتائج انتخابات 2003، آخر انتخابات شرعية، كانت على النحو التالي:

المؤتمر الشعبي العام (GPC): 229 نائبًا (نحو 76%)

التجمع اليمني للإصلاح: 45 نائبًا

الاشتراكي، الناصري، البعث، آخرون: أقل من 27 مقعدًا مجتمعة[^1]

لكن الانقسام السياسي بعد 2015 أفرز برلمانين بحكم الواقع:

132 نائبًا مع الحكومة المعترف بها دوليًا

96 نائبًا في صنعاء تحت سلطة الحوثيين

60 نائبًا متوفين

13 نائبًا في المنطقة الرمادية (لا مع هذا الطرف ولا ذاك)[^2]

> يمكن تلخيص الوضع الحالي كالتالي: لدينا "برلمان الفنادق الشرعية"، و"برلمان صنعاء الموازِي"، وكلاهما يتنافسان على الجلوس في كراسي من حرير، لا على منبر الشعب.

ثالثًا: توزيع الولاءات... هل بقي حزب أصلًا؟

في آخر تحديثات توزيع النواب بحسب الانتماء الحزبي:

المؤتمر الشعبي العام: 170 نائبًا

الإصلاح: 44 نائبًا

الاشتراكي: 8

الناصري: 3

البعث: 1–2

المستقلون: 43

المقاعد الشاغرة: 32[^3]

 الحزب الحاكم، GPC، تحوّل إلى "نادي خاص لأثرياء السلطة"، يُشرّع كما يشاء، ويحسم اللعبة السياسية من الفنادق، لا من قاعات البرلمان.

أما الإصلاح، فيبدو كفرقة احتجاجية تسعى إلى فتح "الخزانة المالية"، لا الملفات التشريعية. بينما الاشتراكيون والناصريون يُستخدمون كديكور "تعددي" يعطي للمشهد السياسي قليلًا من الأوكسجين الإعلامي. المستقلون؟ لا موقف، لا حضور، فقط رقم حساب يتغير بتغير الرياح السياسية.

رابعًا: وظيفة البرلمان... صرافة لا تشريع

المفارقة الساخرة أن أعضاء البرلمان باتوا أقرب إلى وكلاء بنوك منه إلى ممثلين عن المواطنين. في كل جلسة:

يناقش النواب "الراتب المتأخر" بدلًا من إصلاح التعليم والصحة؛

يفاوضون على "مخصصات السفر" لا على إنهاء الحرب؛

يسألون: "متى تُصرف الموازنة؟" لا "أين الشعب؟"؛

يشتبكون حول "حقائب في الرياض" بدلًا من "حقوق في تعز".

 البرلمان اليمني صار نسخة مكلفة من "نظام الولاء المصرفي"، حيث لا صوت لمن لا رصيد له.

خامسًا: مقاعد شاغرة... ومقاعد خالية من الموقف

وجود 32 مقعدًا شاغرًا يعني أن أكثر من 10% من التمثيل الشعبي مفقود. والنواب المتوفون (60 نائبًا) لم يُستبدلوا، في دلالة صادمة على أن البرلمان اليمني لا يعترف بتداول الأجيال ولا بأهمية الاستبدال التشريعي. كأننا أمام متحف سياسي... لا مجلس تشريعي.

خاتمة: المسرحية مستمرة... حتى إشعار بنكي آخر

بين نواب الشرعية ونواب الحوثيين، بين مقاعد تعز وعدن، بين فندق وآخر... تتواصل جلسات البرلمان اليمني، لكن بعيدًا عن الشعب. النواب لم يعودوا ممثلين عن مناطقهم، بل ممثلين عن حساباتهم البنكية، ومصالحهم المؤقتة. وحتى إشعار آخر، سيظل الشعب يراقب هذه المسرحية من بعيد، باحثًا عن برلمان يشبهه... لا يشبه أرصدة أعضائه.

المراجع والهوامش:

[^1]: نتائج انتخابات مجلس النواب اليمني 2003، بحسب اللجنة العليا للانتخابات.
[^2]: تقرير مركز صنعاء للدراسات، "مجلس النواب اليمني: بيت المسنين"، 2023.
[^3]: إحصائية حديثة مستندة إلى تقارير برلمانية صادرة عن الجهات الرسمية ووسائل إعلام محلية بين 2022–2024، جمعت من مصادر مفتوحة.
[^4]: التقرير الجغرافي لتوزيع الدوائر البرلمانية، هيئة الشؤون القانونية، 2003.

آخر الأخبار