بحث

أوهام الإقصاء ونهاية الشرعية: اليمن بين معادلات الداخل وإملاءات الإقليم

فيروز الوالي

من يظنّ أن إقصاء جماعة الحوثي بات خيارًا مطروحًا على طاولة الحل اليمني، فهو غارق في أوهامٍ سياسية لا تختلف كثيرًا عن أحلام المراهقة الفكرية.

الحوثي لم يعد فصيلاً متمردًا أو هامشيًا يمكن تجاوزه، بل تحول إلى قوة أمر واقع، محلية بامتياز، وإقليمية بحكم التموضع، ودولية بحكم التعاطي معه من واشنطن إلى تل أبيب مرورًا بالعواصم الخليجية.

أي حديث عن حل دون الاعتراف بوزنه العسكري والسياسي هو هروب من مواجهة الواقع، وإعادة إنتاج الفشل.

الحوثي: من ميليشيا إلى لاعب إقليمي

تحولت الجماعة، خلال سنوات الحرب، من تنظيم مسلح محدود الجغرافيا إلى لاعب إقليمي يتقاطع مع أجندات دولية كبرى. اختلطت أوراق الداخل بأطماع الخارج، فتحول الحوثي إلى طرف يُستثمر فيه، لا يُستهدف.

وإن كان العنوان المعلن هو الحرب على "الانقلاب"، فإن التحركات على الأرض تثبت أن الجميع يتعامل مع الحوثي كحقيقة باقية، لا استثناء طارئ.

السعودية وإيران: مفتاح الأزمة

ما لم يُدركه البعض حتى الآن، أن بوابة حل الأزمة اليمنية ليست في عدن، ولا في صنعاء، بل في الرياض وطهران. أي تقارب بين الطرفين سينعكس بالضرورة على الداخل اليمني. والعكس صحيح. فالحرب لم تكن يمنية خالصة يومًا، والحل لن يكون كذلك. نحن أمام صراع بالوكالة دفع ثمنه اليمني البسيط من دمه وأمنه ومستقبله.

نهاية "الشرعية" وتآكل الغطاء الدستوري

لم تعد ما تُسمى بـ"الشرعية" قادرة على إقناع حتى أنصارها، ناهيك عن الشعب اليمني.

منذ العام 2014، ومع تمديد بلا نهاية، وممارسات فساد ممنهجة، وفشل إداري وسياسي واقتصادي، أصبحت هذه الشرعية عبئًا لا غطاءً. لا شرعية بلا انتخابات، ولا تمثيل بلا إرادة شعبية. حان الوقت للاعتراف الجريء بانتهاء هذه المرحلة، والانتقال إلى مشروع وطني جامع جديد.

الحل الحقيقي: حوار وطني بلا إقصاء

السبيل الوحيد إلى السلام المستدام يبدأ بحوار وطني شامل، لا يُقصي أحدًا، لا الحوثي، ولا الانتقالي، ولا بقية القوى التقليدية أو الصاعدة. الكل شريك، والكل مسؤول. الحوار لا يعني تقاسم غنائم، بل إعادة صياغة الدولة على أسس تشاركية حقيقية، تضمن التعدد، وتلغي الاستفراد.

الدولة الاتحادية: من وهم نظري إلى ضرورة واقعية

ما يُطرح اليوم تحت مسمى "خطة الشرق الأوسط الجديد" لم يعد مجرد سيناريوهات سرية، بل ملامح تتشكل على الأرض. الدولة اليمنية الموحدة بمفهومها المركزي القديم انتهت.

البديل المنطقي ليس الانفصال، بل الاتحاد بأقاليم ذات إدارة محلية قوية، ضمن مظلة دولة واحدة. كل إقليم يدير نفسه، ويوفر خدماته، ويتكامل مع غيره من الأقاليم. والقبائل، بحكم ثقلها التاريخي والاجتماعي، ستكون جسر التفاهم بين المناطق.

نحو قيادة نظيفة بصندوق الاقتراع

لن يُكتب لمشروع الدولة النجاح ما لم تُفرز قيادة جديدة، غير ملوثة بالفساد أو التبعية. اليمن اليوم بحاجة إلى نخبة نظيفة اليد، ذات كفاءة وطنية، تأتي عبر صناديق الاقتراع، وتحظى بتوافق شعبي وقبلي. الانتخابات الشفافة، لا التحاصص القبلي أو الإملاء الخارجي، هي المخرج الوحيد من نفق الفوضى.

الخلاصة: آن أوان المصارحة

اليمن لا يحتمل مزيدًا من التسويف، ولا رفاهية الخطابات الزائفة. من أراد حلاً حقيقيًا، فليعترف بالواقع كما هو، لا كما يشتهيه. الحوثي باقٍ، الشرعية سقطت، المركزية ماتت، والحل في الحوار، وتقاسم السلطة، وبناء دولة اتحادية لا تستثني أحدًا.

أي طريق غير هذا، ما هو إلا تأجيل جديد للكارثة، وتعميقٌ لجراح شعب أنهكته الحرب، ونهشته النخب، وخذله الجميع.

من صفحة الكاتبة في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

 

آخر الأخبار