"أشواق".. ذات سبعة أعوام تموت جوعًا بعد أيام من العيش على الماء
((بحرالعرب))غرفة الأخبار:
في خيمة بالية في أحد مخيمات النزوح بمديرية عبس، غرب محافظة حجة اليمنية، لفظت الطفلة "أشواق علي حسن مهاب" أنفاسها الأخيرة بصمتٍ موجع، بعد أن قضت أيامها الأخيرة تشرب الماء فقط، دون أن تتذوق طعامًا، أو تجد دواءً. لم تكن وفاتها رقم يضاف إلى قوائم الموتى لكنها صرخة أخيرة لطفلة هزمها الجوع وأهملها العالم.
أشواق ذات السبعة أعوام، لم تكن تعاني مرضًا معقّدًا، ولم تُصب في حرب، لكنها رحلت بهدوء، فقط لأنها لم تجد ما تأكله. جسدها الصغير الذي بات شبيهاً بالهياكل العظمية، لم يتحمل وطأة الجوع. كانت تنام على بطن خاوية وتستيقظ على أمل كاذب بكسرة خبز، حتى انطفأت روحها، بينما والدها عاجز عن فعل شيء سوى البكاء.
في تسجيل مصور، ظهر والد أشواق يحكي المأساة بعينين غارقتين في الألم، قال: "قضينا أربعة أيام دون طعام، لم نجد ما نأكله، حتى كيلو الطحين الذي كنا نتشاركه نحن الاثني عشر قد نفد". وعندما اشتدت حالتها، حملها إلى المركز الصحي التابع للمخيم، لكنه قوبل باعتذار قاسٍ: "لا توجد أدوية". كان يعتزم نقلها إلى المستشفى الريفي، لكنه لا يملك أجرة الطريق.
كان الجوع أسرع من محاولاته البائسة. ماتت أشواق في حجر والدها، ودفنت في تربة المخيم، دون أن يعرف العالم أن طفلة ماتت لأنها لم تجد لقمة واحدة.
في ذات المخيم، لا يختلف حال الأسر الأخرى كثيرًا. يقول أحمد حسين، وهو نازح وأب لخمسة أطفال: "تحوّل أطفالي إلى هياكل عظمية. لا نمتلك شيئًا، لا طحين، لا زيت، ولا حتى ماء. أخاف كل ليلة أن أستيقظ وأجد أحدهم قد مات من الجوع". وأضاف: "أنام أنا وزوجتي جائعين لنُبقي ما تبقى من الطعام لأطفالنا. لا شيء أقسى من رؤية طفلك يبكي لأن معدته تؤلمه من الفراغ".
ما حدث لأشواق، وفقاً للصحفي عيسى الراجحي، ليس سوى بداية لسلسلة موت صامت. فمخيمات النزوح في مديرية عبس باتت مقابر مؤقتة، يعيش فيها الأطفال والنساء وكبار السن على أمل زائف، في ظل صمت دولي قاتل وتجاهل محلي مخزٍ.
المنظمات الإنسانية كانت آخر أمل لتلك الأسر، لكنها انسحبت واحدة تلو الأخرى تحت ضغط نقص التمويل والسياسات المعقدة. أكثر من مئة منظمة، منها وكالات أممية، علّقت أنشطتها، تاركة وراءها آلاف الأسر تصارع المجاعة وحدها.
اليوم، لا طعام في المخيمات، لا ماء نظيف، ولا دواء. فقط بكاء الأطفال وأنين الجوع، فيما ينذر القادم بمجاعة حقيقية، قد تحصد أرواحًا كثيرة بعد أشواق، ما لم يتدارك العالم الكارثة.
يناشد والد أشواق من تبقّى من ضمير إنساني، أن يتحرك. فالقصص القادمة لن تكون مجرد أخبار، بل مشاهد متكررة لأطفال يموتون بأبشع الطرق: جوعًا، وبصمت.