أزمة ثقة تكبر تصاعديا بين الحكومة وميليشيات مسلحة في بغداد
بحرالعرب_متابعات:
تمر العلاقة بين الميليشيات المسلحة العراقية وحكومة بغداد بمرحلة شديدة الحساسية، بعد الإفراج عن الباحثة الروسيةالإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، في خطوة وُصفت بأنها "صفقة سياسية – أمنية" عابرة للحدود.
وبينما اعتُبرت العملية مؤشرًا على إمكانية تثبيت خطوط حمراء بين الحكومةالعراقية والميليشيات المسلحة،فإن الأسئلة تتصاعد حول ما إذا كانت هذه التهدئة ستستمر طويلًا أم أنها مجرد هدنة مؤقتة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
وتشير معلومات متقاطعة إلى أن الصفقة تضمنت تعهدًا غير معلن بتخفيف الاستهدافات المتبادلة، سواء من جانب إسرائيل أو من جانب الميليشيات الموالية لإيران، مقابل الإفراج عن تسوركوف، وقد جرت العملية وسط ضغوط أمريكية مكثفة ربطت ملفات اقتصادية وأمنية بمصير الباحثة المختطفة.
بدوره، أوضح رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية الدكتور غازي فيصل أن"الفصائل الآن تلتزم بهدنة مؤقتة، خصوصًا بعد قرار مجلس النواب الأمريكي إلغاء تفويض الحرب عام 1991 وتفويض الحرب عام 2002 على العراق، وكذلك مع إعادة تموضع القوات الأمريكية والذهاب نحو تبني شراكة إستراتيجية شاملة مع بغداد في إطار اتفاقية 2008 التي أقرها البرلمان العراقي في 2009".
وأضاف فيصل أن "هذه الهدنة مرتبطة بالمتغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط، فالفصائل المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني وتخضع لتوجيهات المرشد الأعلى خامنئي، لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما اندلعت مواجهة واسعة بين إيران وإسرائيل أو واشنطن، بل ستشارك في دعم العمليات العسكرية دفاعًا عن طهران".
وأشار رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية إلى أن "الهدنة الحالية مؤقتة، وهي مرهونة بتطور الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة، من لبنان حيث ملف سلاح حزب الله، إلى اليمن وغزة التي تنتظر توافقات جديدة بعد تبادل الأسرى".
ووفق مراقبين، فإن الإفراج عن تسوركوف حمل رسائل متعددة، فقد أثبتت واشنطن قدرتها على فرض أجندتها حتى عبر قنوات غير مباشرة، فيما أرادت الفصائل إظهار قدرتها على الإمساك بأوراق قادرة على تعطيل الاستقرار متى شاءت.
أما الحكومة العراقية فوجدت نفسها مجبرة على تقديم ضمانات مزدوجة، مرة لواشنطن وأخرى للميليشيات، للحفاظ على التوازن الداخلي.
ولم يكن توقيت العملية عرضيًّا، إذ جاء قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر المقبل، والتي يُنظر إليها كاختبار صعب لجميع القوى السياسية.
ويُرجّح أن الفصائل اختارت تجميد التصعيد العسكري لتجنب إحراج حلفائها داخل البرلمان، أو التأثير سلبًا في فرص الإطار التنسيقي في تحقيق نتائج مؤثرة.
وتحاول الحكومة العراقية رسم صورة عن قدرتها على إدارة الملفات الأمنية بعيدًا عن الصدام المباشر مع الميليشيات، لكنها تدرك أن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى انفجار جديد.
من جهته، قال الباحث الأمني عبدالغني الغضبان، إن "إطلاق سراح تسوركوف لم يكن سوى صفقة بين الحكومة والفصائل، أما الحديث عن اتفاق شامل بين واشنطن والفصائل فهو غير دقيق، وما جرى لم يتعدّ كونه صفقة تهديد، إذ منحت واشنطن الفصائل فترة محددة قبل أن تلوّح بضربات مباشرة؛ ما أجبر الخاطفين على الإفراج عن الباحثة خشية الاستهداف".
وأضاف الغضبان أن "الهدنة بين الحكومة والفصائل ما زالت قائمة، خصوصًا أن الفصائل حصلت على وعود وأموال مقابل إطلاق سراح تسوركوف، لكن مستقبل هذه الهدنة يبقى مرتبطًا بالانتخابات المقبلة، وإن حصلت فعلًا، إذ تمتلك الفصائل مرشحين وقوائم تريد إيصالها إلى البرلمان؛ ما يعني أن أيَّ تصعيد مؤجل إلى حين اتضاح الخريطة السياسية الجديدة".
ويجمع مراقبون على أن المرحلة المقبلة ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، سواء التهدئة المتواصلة إذا التزمت الفصائل بخطوطها الحمراء، أو عودة إلى التصعيد إذا ما فرضت التطورات الإقليمية إيقاعًا جديدًا.