زيارة رشاد العليمي إلى موسكو… بين رسائل السيادة وواقع الارتهان
زيارة رشاد العليمي إلى موسكو… بين رسائل السيادة وواقع الارتهان
صحيفة بحر العرب – قسم التحليل السياسي
إعداد :
فريق التحرير
مقدمة تحليلية :
في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، ومع احتدام التحولات في الميدان اليمني، حلّ ما يسمى برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ضيفاً على العاصمة الروسية موسكو، في زيارة تحمل من الرمزية أكثر مما تعكسه تفاصيل البيانات الرسمية .
بين أروقة الكرملين، جلس العليمي مع الرئيس فلاديمير بوتين، ليس باعتباره زعيماً لدولة ذات سيادة مطلقة، بل بوصفه ممثلاً لكيان سياسي معلق في فضاء الصراعات الإقليمية والتوازنات الدولية .
فما هي دلالات هذه الزيارة ؟ وما الرسائل التي حملها العليمي في جعبته ؟ وهل تمثل خطوة نحو ترميم الدور اليمني المستقل، أم مجرد إعادة تموضع في فضاء نفوذ السعوديين– الإماراتيين ؟
التسلسل زمني للزيارة :
لقاءات ورسائل
- الاثنين 27 مايو 2025: وصل العليمي إلى موسكو على رأس وفد رئاسي ووزاري، في زيارة رسمية وُصفت بأنها “ استجابة لدعوة روسية ”.
- الثلاثاء 28 مايو : التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، في لقاء نادر يمنح ثقلاً دبلوماسياً لرئيس يعاني من ضعف الاعتراف الفعلي داخلياً .
- الزيارة شملت أيضاً اجتماعات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعدد من كبار مسؤولي الخارجية والدفاع .
البيانات الرسمية اكتفت بالتأكيد على “ عمق العلاقات ” و” رغبة موسكو في السلام ”، بينما بدت لغة بوتين أكثر توازناً، حاثاً العليمي على “ حوار يمني - يمني شامل ”، ما يعكس إدراك موسكو لتعقيد المشهد اليمني وتعدد الفاعلين فيه .
مضامين المقابلة على قناة RT : حضور لفظي… وغياب للرؤية ؟
في حوار أجرته معه قناة RT الروسية، حاول العليمي تصدير خطاب “ رئاسي سيادي ”، مؤكداً أن زيارته لموسكو تنبع من قرار مستقل، وتهدف إلى فتح قنوات جديدة مع القوى الدولية الكبرى التي .
لكن اللافت أن المقابلة خلت من أي موقف حازم تجاه الوجود العسكري الأجنبي في السواحل والجزر اليمنية، كما تجاهل الإشارة الصريحة للدور الإماراتي – السعودي، مكتفياً بمهاجمة الحوثيين باعتبارهم “ وكلاء لإيران ”.
هذه الازدواجية فتحت الباب أمام تساؤلات حقيقية : هل يستطيع الرجل تمثيل دولة مستقلة وهو عاجز عن تسمية القوى التي تدير المشهد من خلفه ؟
اللقاء مع بوتين :
رمزية الصورة أم مضمون الموقف ؟
لقاء بوتين ليس تفصيلاً عابراً . فالرئيس الروسي لا يستقبل أي مسؤول بسهولة، وظهوره إلى جانب العليمي إشارة ضمنية إلى أعتراف موسكو الرسمي بشرعية مجلس القيادة، أو على الأقل، رغبة الكرملين في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع كافة أطراف الصراع .
لكن الصورة وحدها لا تصنع السياسة .
فموسكو، وإن أظهرت انفتاحاً، ما زالت تعتبر الحوثيين طرفاً شرعياً في المعادلة اليمنية، وتحافظ على تواصل مستمر معهم، مدفوعة باعتبارات جيوسياسية ومصالح استراتيجية في باب المندب والقرن الإفريقي .
بين السيادة المطلوبة والارتهان القائم
يحاول العليمي تقديم نفسه كشخصية متوازنة، منفتحة على الشرق والغرب، وعلى استعداد لبناء شراكات خارج دائرة الوصاية الاجنبية .
لكن الواقع على الأرض يفرض نفسه . فالرجل ما زال يستمد شرعيته السياسية من الدعم السعودي – الإماراتي، ويُنظر إلى حكومته باعتبارها سلطة منفى، بعيدة عن النسيج الشعبي والوطني الحقيقي .
زيارة موسكو قد تكون خطوة في اتجاه إعادة تموضع دبلوماسي، لكنها لا تمثل بعد تحولاً استراتيجياً .
فالمسافة لا تزال بعيدة بين الخطاب السيادي الذي يسوّقه العليمي، وبين واقع الارتهان الكامل للرياض وأبوظبي، والذي انعكس في صمته عن الاحتلال المباشر لبعض الجزر والموانئ اليمنية .
قراءة في النتائج :
فرصة ضائعة أم تأسيس لمسار ؟
قد يُحسب للعليمي جرأته في طرق أبواب جديدة، لكن نجاح هذه الزيارة يبقى مرهوناً بأمرين :
1- القدرة على ترجمة الانفتاح الروسي إلى شراكة سياسية فعلية تخدم مصالح اليمنيين، وليس مصالح الممولين .
2- التحرر من قيود الإملاءات الخارجية، عبر خلق توازن حقيقي بين الداخل والخارج، وعدم الاكتفاء بلعب دور الوسيط بين مصالح الآخرين على أرض اليمن .
الخلاصة :
موسكو كسؤال مفتوح… وليس جواباً نهائياً
زيارة العليمي إلى موسكو ليست حدثاً عابراً، لكنها أيضاً ليست منعطفاً تاريخياً ما لم تتبعها خطوات جريئة تستعيد القرار اليمني إلى أصحابه .
لقد أرسل الرجل رسائل سيادية، لكنه ما زال محاطاً بجدران الارتهان، وما بين الخطاب والصمت تكمن حقيقة المسافة بين موسكو وصنعاء .
في النهاية، لا تُقاس قيمة الزيارات بحفاوة الاستقبال، بل بمدى قدرة القائد على تحويل اللحظة الدبلوماسية إلى رصيد سيادي واقعي .
فهل يفعلها العليمي ؟ أم تظل موسكو محطة عابرة في رحلة طويلة من التبعية ؟
وهي ما نرجحه .