بحث

السودان بين نيران الصراع وتعثر الحل: من يعرقل السلام؟


صحيفة بحر العرب – مايو 2025
 
ما يزال السودان يغرق في مستنقع الصراع منذ اندلاع القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع في أبريل 2023. حربٌ شاملة تفجرت من قلب العاصمة الخرطوم وامتدت إلى دارفور وكردفان والجزيرة، مخلفةً وراءها كارثة إنسانية لم يشهد لها السودان مثيلاً منذ استقلاله.
 
جذور الصراع: أزمة انتقال لم تكتمل
 
بعد سقوط نظام عمر البشير في عام 2019، تنفست البلاد الصعداء على أمل الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي. غير أن هذه الآمال سرعان ما تلاشت مع تعثر المرحلة الانتقالية، ثم الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، الذي زاد التوتر بين أبرز جناحي السلطة: القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
 
توترات تحوّلت إلى حرب طاحنة بسبب الخلاف على دمج القوات، تقاسم النفوذ، ومستقبل الحكم في السودان.
 
الكارثة الإنسانية: بلدٌ يحتضر
• أكثر من 14 مليون نازح داخل السودان، وفق تقديرات الأمم المتحدة، في أكبر أزمة نزوح داخلي بالعالم.
• خطر المجاعة يهدد نحو 30 مليون شخص، خاصة في غرب البلاد.
• تفشي الأمراض مثل الكوليرا والحصبة في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي.
• جرائم حرب وانتهاكات واسعة ضد المدنيين، شملت القتل الجماعي، العنف الجنسي، والتهجير القسري، خاصة في إقليم دارفور.
 
من يعرقل الحل؟
 
1. الأطراف العسكرية
 
القوتان المتصارعتان ترفضان الدخول في مفاوضات جدية لوقف الحرب أو تسليم السلطة إلى المدنيين. كل طرف يسعى إلى فرض سيطرته الكاملة على الدولة، مما يجعل وقف القتال رهينة لتوازنات السلاح لا لإرادة السلام.
 
2. الدعم الخارجي غير المباشر
 
رغم عدم الاعتراف العلني، إلا أن بعض الأطراف الخارجية تواصل مد الصراع بالمال والسلاح، مما يغذّي الحرب ويطيل أمدها، بدلاً من دعم جهود السلام والمصالحة.
 
3. انقسام القوى المدنية
 
بعد حل الحكومة الانتقالية، فشلت القوى السياسية المدنية في الاتفاق على رؤية موحدة تقود البلاد إلى السلام، ما أضعف موقعها في أي مفاوضات محتملة.
 
4. عجز المجتمع الدولي
 
رغم المؤتمرات الإنسانية والتعهدات المالية، لا تزال الإرادة الدولية ضعيفة وغير مؤثرة. الخلافات بين القوى الكبرى، والتباينات في المواقف الإقليمية، تعيق إصدار قرار دولي ملزم بوقف الحرب أو محاسبة المتورطين في الجرائم.
 
بصيص الأمل: مبادرات من رحم المعاناة
 
وسط هذا الدمار، ظهرت غرف الطوارئ، وهي مبادرات شعبية يقودها شباب ومتطوعون داخل الأحياء والمدن لتقديم الإسعافات، تأمين الغذاء، والإغاثة. كما تنشط نساء السودان في قيادة جهود السلام المحلية، رغم التهديدات والصعوبات.
 
ما المطلوب الآن؟
• وقف فوري لإطلاق النار تحت إشراف دولي ومحلي، يضمن حماية المدنيين، ويمنع المليشيات من بسط نفوذها على حساب الدولة.
• تجميد الدعم العسكري الخارجي، خصوصًا للقوى غير المنضبطة وغير الخاضعة لمؤسسات الدولة.
• تمكين المبادرات المحلية، باعتبارها صوتًا نقيًا من رحم المعاناة.
• مفاوضات شاملة تنطلق من وحدة الدولة، وتُشرك جميع مكوناتها: المدنيين، الشباب، النساء، النازحين، والمجتمعات المتأثرة بالحرب.
• تحقيق دولي محايد في الجرائم المرتكبة، مع التركيز على الانتهاكات المنهجية التي هزت الضمير العالمي.
 
خاتمة
 
السودان اليوم يقف على مفترق طرق. فإما أن يُكتب له الخلاص عبر استعادة الدولة وبسط القانون، أو أن يستمر في طريق الفوضى الذي تخطفه فيه مجموعات مسلحة خارجة عن السيطرة. الحل لن يأتي من الخارج فقط، بل من داخل الوطن، عبر إرادة شعبية ترفض الحرب، وتدعم الجيش في إعادة بناء الدولة، وتؤمن بأن السلام هو الطريق الوحيد لحماية ما تبقى من السودان.

متعلقات: