سميح القاسم.. حياة وشعر "شاعر المقاومة الأبرز"
بحرالعرب_متابعات:
الشاعر سميح القاسم أحد أبرز الأصوات الشعرية في العالم العربي والذاكرة العربية بكونه شاعر المقاومة، وأحد أبرز الشعراء الذين امتزجت حياتهم الشخصية بإبداعهم الأدبي والنضالي، جمع بين الكلمة المقاومة والموقف السياسي، وبين الإبداع الأدبي والالتزام الوطني، حملت قصائده همَّ القضية وصارت رمزًا لصوت الإنسان المقاوم، وترك أثرًا عميقًا في الشعر العربي الحديث عبر دواوينه الغزيرة وتجربته الأدبية المتفردة.
«مُنْتَصِب القامة أَمْشِي، مَرْفُوع الهامة أَمْشِي.
في كفّي قَصْفَة زيتون، وعلى كتفي نَعْشِي.
قلبي قمر أَحْمَر، قلبي بستان فيه العوسج وفيه الريحان.
شفتاي سماء تمطر نارًا حينًا، حبًا أحيانًا.
في كفّي قَصْفَة زيتون، وعلى كتفي نَعْشِي.
وأنا أَمْشِي، وأنا أَمْشِي».
هذه الكلمات الرائعة التي رددها الناس في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، تعود إلى شاعر العرب الأكبر سميح القاسم، أحد أبرز شعراء العربية في العصر الحديث الذي ترك إرثًا كبيرًا في الشعر والمسرح والقصة والرواية. وترجمت له أعمال عدة إلى لغات عدة، وأُطلِقت عليه ألقاب عدة، من بينها: شاعر فلسطين، وشاعر الشمس، وقيثارة فلسطين، ومتنبي فلسطين، وشاعر العرب الأكبر، وغيرها من الألقاب التي كانت تحاول أن تعبّر وتحتفي بالتجربة الاستثنائية لسميح القاسم.
مولد ونشأة سميح القاسم.. طفولة تحت نيران الحرب
وُلِد سميح القاسم يوم 11 مايو عام 1939 في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية، إذ كان والده يعمل في قوات الحدود في شرق الأردن، وعاد سميح مع أسرته إلى مدينة الرامة عام 1941، وفيها تلقى تعليمه بين مدرسة الرامة الجليلية ومدرسة الناصرة.
وفي طفولته عاش سميح تجربة غريبة وهو طفل رضيع؛ فحينما كانت أسرته في طريقها للعودة إلى فلسطين بالقطار، كانت أجواء الحرب العالمية الثانية تسيطر على المنطقة. وعندما بكى القاسم الطفل الرضيع، شعر ركاب القطار بالذعر الشديد خوفًا من أن تهتدي إليهم طائرات الجيش الألماني، وهو ما جعل والده يقوم بإشهار سلاحه في وجه الركاب لإسكاتهم.
وعندما كبر وعرف سميح تلك الحكاية، تأثر كثيرًا وقال: «لقد حاولوا إسكاتي منذ الطفولة، لذا سأتحدث في أي وقت وفي أي مكان، ولن يستطيع أحد إسكاتي أبدًا».
وكان سميح في بداية حياته العملية قد عمل مدرسًا في إحدى المدارس، قبل أن يتجه إلى العمل السياسي، إذ انضم إلى الحزب الشيوعي، وبعدها بمدة قصيرة ترك الحزب وانشغل بالأدب والكتابة.
محطات في حياة سميح القاسم.. نضال أدبي وسياسي
لم يتوقف سميح طول حياته عن المقاومة والعمل السياسي، حتى وهو يمارس الأدب، إذ اختلط لديه العمل الأدبي بالعمل السياسي، وهو ما جعله دائمًا يواجه التهديدات بالقتل، وطُرِد من عمله مرات عدة، إضافة إلى دخوله السجن أكثر من مرة. ووُضع سميح رهن الإقامة الجبرية مرات عدة، وهذه المدة من حياة سميح القاسم والسجن والإقامة الجبرية كوَّنت جزءًا كبيرًا من تجربته الشعرية، وهو ما جعله ينتقل بين أعمال عدة، من معلم إلى صحفي إلى موظف في خليج حيفا.
على المستوى الصحفي، كان لسميح جهود كبيرة وملحوظة؛ إذ كان مساهِمًا في تحرير كل من صحيفة الاتحاد والغد، إضافة إلى رئاسته لتحرير صحيفة «هذا العالم» مدة من الزمن، قبل أن يعود للعمل مرة أخرى محررًا في الاتحاد، إضافة إلى عمله مديرًا لتحرير صحيفة «الجديد»، ثم أصبح بعد مدة رئيسًا لتحريرها، وأسس سميح القاسم عددًا من المنشورات مثل «عرب سك» التي أسسها في حيفا، وأصبح مديرًا للمؤسسة الشعبية للفنون في حيفا مدة من الزمن.
ومن المناصب المهمة التي تعبر عن قيمة شاعر الشمس الكبير رئاسته لاتحاد الكتّاب العرب والاتحاد العام للكتّاب العرب الفلسطينيين، إضافة إلى كونه رئيسًا فخريًّا لتحرير صحيفة «كل العرب» التي كانت تصدر في الناصرة. وكذلك كان سميح رئيسًا لتحرير إحدى أهم المجلات الفصلية الثقافية التي كانت تصدر بعنوان «إضاءات»، وكانت لها شهرة كبيرة على المستوى الأدبي والثقافي.
تعرض القاسم للسجن عام 1960 بسبب رفضه التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وهو سبب سجن سميح القاسم الأبرز، وكان دائم الصدام مع السلطات الإسرائيلية التي وضعته تحت الإقامة الجبرية منذ عام 1963 حتى عام 1968، إذ كان دائم المطالبة بحقوق الشعب المقاوم، وكان من أنصار القومية العربية، وهو ما عبّرت عنه مواقفه وكتاباته الصحفية والأدبية. وهكذا شكلت مسيرة سميح القاسم الأدبية والسياسية وجهين لعملة واحدة.
التجربة الأدبية لسميح القاسم إرث من الشعر والنثر
لا يمكن فصل التجربة الأدبية عن حياة سميح القاسم الشخصية والمهنية؛ إذ بدأ الكتابة مبكرًا وعاش مبدعًا في كل لحظة، وكانت كتاباته تعبر عن آرائه ومواقفه، فكان شعره يمثل نبضًا القضية وصوتًا لمعاناة شعب الأبطال، وهو ما جعله من أهم شعراء المقاومة وأكثرهم إنتاجًا.
ويعد شعر سميح عن وطنه حجر الزاوية في الأعمال الأدبية للقاسم، ولا تكتمل أي قراءة لمشهد شعراء فلسطين دون وضعه إلى جانب رفيق دربه وصديقه الشاعر الكبير محمود درويش. مثَّل محمود درويش والقاسم قطبي شعر المقاومة، وعلى الرغم من الصداقة العميقة التي جمعتهما؛ كان لكل منهما أسلوبه الخاص؛ ففي حين حلق درويش في فضاءات شعرية أكثر رمزية وكونية، ظل القاسم متجذرًا في لغة التحدي المباشر والغضب المرتبط بالأرض.
لم يكن سميح قد أكمل 30 عامًا من عمره إلا وقد نشر ست مجموعات شعرية، وهو أمر مدهش، إذ إن كثيرًا من الشعراء الكبار لم يكتبوا في حياتهم 6 مجموعات شعرية، ومع ذلك فقد كانت هذه الدواوين ذات جودة عالية، ما جعلها تحظى بشهرة كبيرة، وأصبح اسم القاسم اسمًا كبيرًا ولامعًا في سماء الشعرية العربية في سبعينيات القرن الماضي.
كتب القاسم عددًا من الأشكال الأدبية؛ فعلى الرغم من شهرته بصفته شاعرًا للفصحى، فإنه أيضًا كتب عددًا من الروايات والمسرحيات، إضافة إلى القصص القصيرة، أضف إلى ذلك المقالات الأدبية ذات الطابع النقدي بحكم عمله في الصحافة.
وتتميز التجربة الشعرية لسميح القاسم بالجمع بين الغضب الثوري والرقة الإنسانية، واستخدام الرموز التراثية والدينية في سياق معاصر، ولغته القوية التي تتراوح بين المباشرة الصادمة والرمزية العميقة.
وعلى مستوى النقد، فقد تناول الكتّاب والنقاد تجربة القاسم باهتمام كبير، وصدرت كثير من الكتب والدراسات وتحدث بعضها عن كونه أحد رواد تيار ما بعد الحداثة في الشعر العربي، كما وضعه بعض الشعراء في مكانة عالية كأحد أفضل الشعراء العرب في العصر الحديث.
جوائز سميح القاسم
حصد الشاعر الكبير سميح القاسم عددًا من الجوائز، وحصل على كثير من التكريمات والدروع وشهادات التقدير وعضويات الشرف التي تليق بمكانته الأدبية وتجربته الإبداعية، ولعل أبرز هذه الجوائز ما يلي:
جائزة غار الشعر من إسبانيا.جائزتان من فرنسا عن أعماله التي تُرجمت إلى اللغة الفرنسية عن طريق الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي.جائزة البابطين للشعر العربي.جائزة وسام القدس للثقافة مرتين.جائزة نجيب محفوظ من مصر.جائزة السلام من واحة السلام.جائزة الشعر الفلسطينية.أعمال سميح القاسم
في تجربة تُعد من أكثر التجارب العربية غزارة على مستوى الإنتاج ورقيًا وعلى مستوى الجودة الإبداعية، بلغت أعمال الشاعر سميح القاسم نحو 87 عملاً إبداعيًا، توزعت بين الشعر والمسرح والنثر والقصة والرواية والترجمة والبحث. ولعل أبرز أعماله ما يلي:
أعمال سميح قاسم الشعرية
تنوعت الأعمال الشعرية لسميح، فبلغت 23 ديوانًا:
مواكب الشمس عام 1958.أغاني الدروب عام 1964.دمي على كفي عام 1967.دخان البراكين عام 1968.سقوط الأقنعة عام 1969.ويكون أن يأتي طائر الرعد عام 1969.قرآن الموت والياسمين عام 1971.الموت الكبير عام 1972.وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم عام 1976.ديوان الحماسة عام 1978.أحبك كما يشتهي الموت عام 1980.الجانب المعتم من التفاحة، الجانب المضيء من القلب عام 1981.جهات الروح عام 1983.قرابين عام 1983.لا أستأذن أحدًا عام 1988.الكتب السبعة عام 1994.ياسمين عام 1995.سأخرج من صورتي ذات يوم عام 2000.بغداد وقائد أخرى عام 2008.كتاب القدس عام 2009.حزام الورد الناسف عام 2009.الجدران عام 2010.بغض النظر عام 2012.سربيات سميح القاسمإرم عام 1965.إسكندرون في رحلة الخارج ورحلة الداخل عام 1970.مراثي سميح القاسم عام 1973.إلهي إلهي لماذا قتلتني عام 1974.الصحراء عام 1984.خذلتني الصحراء عام 1998.كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه عام 2000.ملك أتلانتس عام 2003.أنا متأسف عام 2009.أعمال سميح القاسم النثريةعن الموقف والفن عام 1970.من فمك أُدينك عام 1974.الرسائل عام 1989.حسّيت الزلزال عام 2000.كتاب الإدراك عام 2000.لا توقظ الفتنة عام 2009.مسرحيات سميح القاسم وأعمال أخرىقرقاش (مسرحية) عام 1970.الكتاب الأسود في يوم الأرض (توثيق) عام 1976.الصورة الأخيرة في الألبوم (حكاية) عام 1980.المؤتمر المحظور (توثيق) عام 1981.مطالع من أنثولوجيا الشعر الفلسطيني (توثيق) عام 1990.الراحلون (توثيق) عام 1991.ملعقة سم صغيرة ثلاث مرات يوميًا (حكاية) عام 2011.إنها مجرد منفضة (سيرة) عام 2011.مقتبسات للشاعر سميح القاسم
تعد أقوال القاسم وقصائده جزءًا لا يتجزأ من تراث النضال العربي، ومن أبرز اقتباساته:
لا أريد أن أسيء إلى أحد، ذلك أن الإساءة إلى الآخرين تؤلمني أضعاف ما تؤلمهم. هذه إحدى نقاط ضعفي أو قوتي، لست أدري».
«وجيوشهم جرارة، لا لاستعادة موقع أو مسجد أو زهرة برية، لكن لسحق مظاهرة، ولقتل طفل بريء ما درى أن الحنين إلى أبيه مؤامرة».
«وعندما أُقتل في يوم من الأيام، سيعثر القاتل في جيبي على تذاكر السفر: واحدة إلى السلام، وواحدة إلى الحقول والمطر، وواحدة إلى ضمائر البشر. أرجوك ألا تهمل التذاكر يا قاتلي العزيز، أرجوك أن تسافر».
مقتطفات من شعر سميح القاسم
«ألا تشعرين بأننا فقدنا الكثير، وصار كلامًا هوانا الكبير؟
فلا لهفة، لا حنين، ولا فرحة في القلوب إذا ما التقينا، ولا دهشة في العيون.
ألا تشعرين بأن لقاءاتنا جامدة، وقبلاتنا باردة، وأننا فقدنا حماس اللقاء، وصرنا نجامل في كل شيء وننسى،
وقد يرتمي موعد جثة هامدة، فنكذب في عذرنا ثم ننسى.
ألا تشعرين بأن رسائلنا الخاطفة غدت مبهمات قصيرة، فلا حس، لا روح فيها، ولا عاطفة،
ولا غمغمات خيالية، ولا أمنيات، ولا همسات مثيرة،
وأن جواباتنا أصبحت لفتات بعيدة، ككعب ثقيل نخلّص منه كواهلنا المتعبة.
ألا تشعرين بدنيا تهاوت ودنيا جديدة؟
ألا تشعرين بأن نهاياتنا مرعبة... لأن نهاياتنا لم تكن مرة مرعبة».
«ما دامت لي من أرضي أشبارٌ،
ما دامت لي زيتونة، ليمونة، بئر وشجيرة صبّار،
ما دامت لي ذكرى، مكتبة صغرى، صورة جد مرحوم وجدار،
ما دامت في بلدي كلمات عربية وأغانٍ شعبية، ما دامت لي عيناي، ما دامت لي شفتاي ويداي،
ما دامت لي نفسي أعلنها في وجه الأعداء، أعلنها حربًا شعواء،
باسم الأحرار الشرفاء، عمالًا، طلابًا، شعراء،
أعلنها، ما زالت لي نفسي، وستبقى لي نفسي، وستبقى كلماتي خبزًا وسلاحًا في أيدي الثوار».
وفاة سميح القاسم
توفي سميح القاسم يوم 19 أغسطس عام 2014 بعد رحلة مع مرض سرطان الكبد استمرت 3 أعوام، ما أدى في النهاية إلى رحيله عن عمر ناهز 75 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا ضخمًا من الإبداع والنضال والتأثير الهائل في أجيال من المثقفين والكتّاب والشعراء والنقاد العرب من المحيط إلى الخليج.
لم تكن حياة سميح القاسم سيرة شاعر فحسب، بل كانت تجسيدًا حيًا لقصة شعب وأمة، في شعره ونضاله، أثبت أن الكلمة يمكن أن تكون سلاحًا وأن الفن لا ينفصل عن الموقف. وعلى الرغم من وفاة سميح القاسم، يبقى إرثه الأدبي والسياسي مصدر إلهام للأجيال الجديدة، وتظل قصائده شاهدة على أن صوت الحقيقة والمقاومة لا يمكن إسكاته أبدًا.
وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حياة الكاتب الفلسطيني الكبير سميح القاسم، نرجو أن نكون قد قدّمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.