بحث

خطة “مراكز العودة” البريطانية: جدل قانوني وإنساني في الأفق


في خطوة مثيرة للجدل، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن إطلاق محادثات رسمية مع عدد من دول منطقة البلقان بهدف إنشاء ما وصفه بـ”مراكز العودة”، وهي منشآت مخصصة لاستقبال طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم في المملكة المتحدة، واحتجازهم مؤقتًا تمهيدًا لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

ما هي “مراكز العودة”؟

وفقًا للتصريحات الحكومية، تهدف هذه المراكز إلى إدارة من يُرفض طلبهم للجوء بطريقة “منظمة وإنسانية”، عبر إرسالهم إلى دول ثالثة تحت إشراف بريطاني جزئي، بدلًا من بقائهم داخل الأراضي البريطانية.

تُعد هذه المراكز بمثابة محطات مؤقتة يُحتجز فيها الأفراد إلى حين اكتمال الإجراءات القانونية لترحيلهم، وهو نموذج مشابه جزئيًا لمقترح الترحيل إلى رواندا، الذي واجه موجة اعتراضات قانونية واسعة.

ألبانيا ترفض… وبحث عن بدائل

أول الشركاء المفترضين في هذه الخطة كانت ألبانيا، غير أن الحكومة الألبانية أعلنت رسميًا رفضها المشاركة في أي ترتيبات تتضمن استقبال طالبي اللجوء المُرحلين من بريطانيا، معتبرة أن ذلك يتعارض مع التزاماتها القانونية ومبادئها الإنسانية.

ورغم هذا الرفض، تواصل بريطانيا محادثاتها مع دول أخرى في البلقان، وعلى رأسها صربيا والبوسنة والهرسك. وتشير تسريبات دبلوماسية إلى أن هذه الدول لم تُعلن موقفًا حاسمًا بعد، لكن هناك ضغوطًا من جانب لندن لتوقيع اتفاقيات ثنائية مشابهة لما تم التفاوض عليه سابقًا مع رواندا.

ردود فعل متباينة

الخطة قوبلت بانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، التي وصفتها بأنها “تجريد من الكرامة” و”نفي قسري للأشخاص المستضعفين”. كما عبّر بعض نواب البرلمان البريطاني، بمن فيهم أعضاء من حزب العمال الحاكم، عن قلقهم من الآثار القانونية المترتبة على هذه السياسة.

وقالت ليزا ناندو، النائبة عن حزب العمال، إن “التحايل على المسؤولية الدولية بإرسال طالبي اللجوء إلى بلدان أخرى لا يحل المشكلة بل يفاقمها”.

أما حزب المحافظين المعارض، فرحّب بالخطة بشكل مبدئي لكنه طالب الحكومة بالكشف عن الجوانب المالية والرقابية لهذه المراكز، مع ضمان التزامها باتفاقيات جنيف الدولية.

مخاوف قانونية وأخلاقية

يرى خبراء القانون الدولي أن الخطة تضع بريطانيا على مسار تصادمي مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدًا “اتفاقية اللاجئين لعام 1951”، التي تلزم الدول المستقبلة بعدم ترحيل أي شخص إلى مكان قد يتعرض فيه للاضطهاد.

وحذر معهد الدراسات القانونية الدولية من أن هذه المراكز قد تتحول إلى “مناطق رمادية” خارج نطاق المحاسبة، حيث لا تخضع بشكل كامل للقانون البريطاني أو الدولي، ما يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة.

خاتمة

بينما تسعى الحكومة البريطانية إلى تقليل عدد طالبي اللجوء وإحكام السيطرة على حدودها، فإن خطة “مراكز العودة” تعكس تصعيدًا جديدًا في سياسات الهجرة، وتفتح جدلًا واسعًا حول التوازن بين أمن الحدود والالتزامات الأخلاقية والإنسانية.

ويبقى السؤال الأبرز: هل تستطيع بريطانيا المضي قدمًا في هذه الخطة دون أن تتصادم مع مبادئ العدالة الدولية وحقوق الإنسان؟

متعلقات: