مؤشر خطير لتراجع الديمقراطية وحرية التعبير في الولايات المتحد
خاص - صحيفة بحر العرب – تحليلي – الولايات المتحدة الأمريكية – لوس أنجلوس
في مشهد غير مسبوق، شهدت مدينة لوس أنجلوس الأمريكية حملة قمع عنيفة ضد متظاهرين خرجوا للاحتجاج على ممارسات السلطات تجاه المهاجرين، وذلك في خطوة أثارت قلقاً واسعاً بشأن مستقبل الديمقراطية وحرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية.
ففي الوقت الذي طالما قدمت فيه واشنطن نفسها بوصفها راعية للديمقراطية وحامية لحقوق الإنسان حول العالم، جاءت هذه الأحداث الأخيرة لتكشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسات. فقد واجه المحتجون، ومعظمهم من سكان محليين ونشطاء حقوق الإنسان، رداً أمنياً قاسياً شمل استخدام القوة المفرطة، واعتقال العشرات، بل واستدعاء قوات الحرس الوطني والجيش في مشهد يعيد إلى الأذهان الأنظمة القمعية التي طالما انتقدتها الولايات المتحدة.
وقد تصاعد هذا القمع بشكل واضح في الأيام الأخيرة، حيث فرضت السلطات في لوس أنجلوس حظر تجوّل في وسط المدينة بعد احتجاجات اندلعت على خلفية مداهمات نفذتها وكالة الهجرة والجمارك (ICE) داخل متاجر ومراكز تجارية، واعتقال العشرات من المهاجرين، من بينهم مقيمون قانونياً. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز يوم 11 يونيو 2025، تم استدعاء الحرس الوطني وانتشرت وحدات من القوات الأمنية بشكل كثيف، مع تسجيل إصابات واعتقالات في صفوف المتظاهرين (رويترز، 2025).
هذا القمع الصارخ لا يمكن فصله عن اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، حيث ارتفعت في الأسابيع الماضية أصوات تطالب بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وأخرى نددت بسوء معاملة المهاجرين، والتمييز العنصري، والقيود المفروضة على الحريات المدنية. إلا أن هذه الأصوات قوبلت بمحاولات متزايدة لإسكاتها، من خلال الملاحقة القانونية، وفصل الطلاب من جامعاتهم، وتشويه صورتهم في الإعلام.
الأمر لا يقتصر على مدينة لوس أنجلوس، بل يعكس اتجاهاً مقلقاً في عموم الولايات المتحدة، حيث تزايدت حالات التضييق على المحتجين، وسُنت قوانين تحدّ من حرية التظاهر، وجرى استهداف النشطاء بوسائل قانونية وإعلامية متعددة، وهو ما يشكل انقلاباً حقيقياً على المبادئ التي قامت عليها الجمهورية الأمريكية.
إن اللجوء إلى الحلول الأمنية لقمع الاحتجاجات السلمية لا يمكن تفسيره سوى باعتباره دليلاً واضحاً على هشاشة الديمقراطية الأمريكية أمام النقد الشعبي المتزايد لسياساتها، سواء في الداخل أو الخارج. كما أن ذلك يمثل خيانة للقيم الليبرالية التي طالما تباهت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وختاماً، فإن ما جرى في لوس أنجلوس ليس مجرد حدث محلي أو حالة استثنائية، بل هو مؤشر خطير يجب على المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية، وصناع القرار الأمريكيين أنفسهم التوقف أمامه بجدية. فالديمقراطية لا تُختبر في أوقات الرخاء، بل في أوقات الشدة، وما يجري اليوم في الولايات المتحدة يبعث بإشارات مقلقة عن مستقبل حرية التعبير وحقوق الإنسان في “أرض الحرية”.