العراق أمام مفترق حساس.. تغييرات في تمثيل المسيحيين وتحذيرات من تلاعب سياسي
صحيفة بحر العرب - خاص
بحرالعرب_متابعات:
أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق ملف التمثيل المسيحي في البلاد إلى الواجهة، بعد تحولات غير مسبوقة في خريطة مقاعد الكوتا، تزامنت مع تحذيرات صريحة أصدرتها الكنيسة الكلدانية من "التلاعب وتغيير النتائج".
تأتي هذه المخاوف في ظل خسارة حركة بابليون، المدعومة من ميليشيات مسلحة نافذة، لأغلبية المقاعد التي كانت تهيمن عليها لسنوات، وصعود شخصيات مسيحية مستقلة في دهوك وأربيل وكركوك.
وفي بيان رسمي، دعت الكنيسة الكلدانية، برئاسة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، إلى احترام الانتخابات وعدم التلاعب بنتائجها أو تغييرها.
وأكدت في بيان أن الشعب المسيحي العراقي "يعاني منذ سنوات من سلب الحقوق والتهميش والإقصاء والاستحواذ على الأملاك، وعلى الحكومة حمايتهم ومعاملتهم كمواطنين متساوين في التمثيل والوظائف، والاستفادة من خبراتهم لدفع البلاد إلى الأمام".
وشدد البيان على ضرورة "حصر التصويت على مقاعد الكوتا بالمسيحيين فقط باعتبارها وُجدت لحماية تمثيلهم، محذرًا من أي تدخلات تفرغ هذا الحق من مضمونه".
وبحسب النتائج النهائية، فاز ثلاثة مرشحين مستقلين أو غير مرتبطين بحركة بابليون بمقاعد الكوتا في دهوك وأربيل وكركوك، هم: أوشانا سامي، وكلدو رمزي، وعماد يوخنا، فيما حصل ريان الكلداني (حركة بابليون) على مقعدين فقط في بغداد ونينوى، ليخسر الغالبية التي كان يسيطر عليها خلال دورات سابقة.
ويربط مراقبون هذا التراجع بعلاقة الكلداني الوثيقة بقيادات في "الحشد الشعبي"، والميليشيات المسلحة، إضافة إلى نفوذ شقيقه داخل تشكيلات الحشد في محافظة نينوى، وهو ما منح الحركة ثقلاً كبيراً في السنوات الماضية قبل أن تتراجع أمام صعود أصوات مسيحية مستقلة.
من جهته، قال الأكاديمي الكردي ريبين سلام إن "الهجمات السياسية على الأحزاب الكردية بشأن الكوتا تستند إلى ازدواجية واضحة"، مؤكداً أن "بعض القوى التي تنتقد الحزب الديمقراطي كانت متحالفة معه داخل حكومات إقليم كردستان منذ التسعينيات".
وأوضح سلام أن "الحديث عن أن أصوات المكونات يجب أن تُعزل تمامًا عن الحياة السياسية مبالغ فيه وغير منطقي، فالمسيحيون واليزيديون والفيليون مواطنون أصليون، ولهم الحق في التحالف السياسي مثل المكونات الأخرى".
واعتبر أن "أي محاولة لتحريك نتائج الكوتا بعد انتهاء الطعون تمثل تجاوزًا لا يمكن القبول به".
بدوره، حذّر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، من "محاولات للتلاعب بنتائج الانتخابات، خصوصاً ما يتعلق بمقاعد الكوتا"، مؤكدًا أن "أي تغيير في النتائج الرسمية يعدّ خطاً أحمر"، وأن للحزب "موقفًا سياسيًا جادًا" إذا جرى المساس بما أعلنته المفوضية.
ويأتي موقف الحزب وسط حديث عن توجيه آلاف الأصوات الخاصة – خصوصًا في أربيل ودهوك – نحو مرشحين مسيحيين مستقلين، وهو ما اعتبره خصومه ضغطًا سياسيًا، بينما يؤكد الحزب أن المشاركة جرت وفق القانون والتعليمات، وأن جميع الأصوات "دخلت الصناديق بشكل قانوني وشفاف".
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي محمد التميمي إن "المرحلة الحالية تتطلب حماية تمثيل الأقليات من التدخلات المسلحة والسياسية على حد سواء، وإبعاد مقاعد الكوتا عن الصراعات التي أضرّت بالثقة داخل المكون المسيحي، وخلقت شعورًا متزايدًا بأن إرادتهم مسلوبة".
وأضاف أن "فوز شخصيات مستقلة في ثلاث محافظات يشير إلى نزعة واضحة نحو استعادة القرار المسيحي من هيمنة القوى المرتبطة بالسلاح"، لافتًا إلى أن "الاستقرار السياسي يمر عبر ضمان تمثيل حقيقي، لا عبر دفع أصوات من خارج المكون لفرض مرشحين بعينهم".
وتثير هذه التطورات قلقًا واسعًا داخل المكوّن المسيحي من العودة لمحاولات التأثير على نتائج الكوتا، خصوصًا بعد تحذيرات الكنيسة والدعوات إلى احترام نتائج المفوضية.
وبينما يواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني تأكيد رفضه لأي تغيير في الأرقام، يدعو ناشطون مسيحيون إلى ترسيخ تمثيل مستقل داخل البرلمان، بعيدًا عن نفوذ الفصائل المسلحة أو القوى المتنفذة.
وفي المقابل، يواجه الحزب الديمقراطي الكردستاني انتقادات من قوى داخلية وخبراء في شؤون الأقليات، بسبب ما يعتبرونه توجيهًا من أنصاره وموظفي المؤسسات الحكومية الخاضعة لنفوذه نحو اختيار مرشحين محددين من الكوتا، الأمر الذي رفع حجم الأصوات الموجّهة في أربيل ودهوك وكركوك بصورة لافتة.
ويرى منتقدو الحزب أن هذا التوجّه يمنح القوائم الكبرى قدرة غير مباشرة على ترجيح اسم دون آخر داخل المكوّن المسيحي، بما يؤثر على طبيعة التمثيل الحقيقي للكوتا، ويضعف قدرة الناخب المسيحي على اختيار ممثليه وفق إرادته الخالصة.