بحث

تحولات النفوذ الإقليمي ومخاطر تقويض السيادة

مصطفى بن خالد

 

شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم 
مـــصـــطــفـــى بن خالد

تحولات النفوذ الإقليمي ومخاطر تقويض السيادة

اليمن كنقطة ارتكاز، والقرار العُماني أمام اختبار جيوسياسي حاسم

وثيقة تقدير موقف 

أولاً: خلاصة سيادية تنفيذية

تشير المعطيات السياسية والميدانية والقانونية إلى أن جنوب الجزيرة اليعربية دخل مرحلة إعادة تشكيل قسرية للسيادة والنفوذ، تُدار فيها الملفات الحساسة خارج الأطر المؤسسية التقليدية، وباستخدام فاعلين محليين بوظيفة إقليمية.

في اليمن، لم يعد بعض الفاعلين المحليين – وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي – يتحركون ضمن منطق الفعل الوطني المستقل، بل باتوا جزاءً من منظومة نفوذ إقليمي مباشر، الأمر الذي يُسقط عملياً فكرة وحدة القرار الوطني، ويفتح المجال لتفكيك الكيان السيادي اليمني على مراحل.

في المقابل، يواجه القرار العُماني المستقل ضغوطاً جيوسياسية غير معلنة، ناتجة عن تضييق المجال الحيوي البري، بما يهدد على المدى المتوسط بتحويل الاستقلال السياسي من واقع فعلي إلى هامش تفاوضي.

الاستنتاج الحاسم: 
استمرار هذا المسار دون تدخل سيادي استباقي سيقود إلى خسائر استراتيجية غير قابلة للعكس، تمس اليمن والسلطنة، وتعيد رسم خرائط النفوذ والشرعية في الإقليم.

ثانياً: تقدير التهديدات الاستراتيجية

1-  تهديد تفكيك الدولة اليمنية من الداخل
 • انتقال الفاعل المحلي من موقع الشريك السياسي إلى أداة تنفيذ نفوذ خارجي.
 • فرض وقائع سيطرة خارج المؤسسات الشرعية، بما يُضعف الإطار الدستوري والقانوني للدولة.
 • تآكل مفهوم السيادة الوطنية وتحويله إلى مسألة تفاوضية مستقبلية.

التقدير: 
هذا المسار لا ينتج انفصالاً مباشراً، بل تفكيكاً تدريجياً للكيان القانوني، وهو السيناريو الأخطر في إدارة الدول الفاشلة.

2- تهديد إعادة فتح ملف الحدود والسيادة القانونية
 • إعادة هندسة النفوذ خارج الشرعية تخلق مبررات سياسية وقانونية لإعادة طرح اتفاقيات الحدود.
 • أي اهتزاز في هذا الملف سينقل الصراع من مستوى سياسي قابل للاحتواء إلى نزاع سيادي قانوني مفتوح.

التقدير: 
هذا السيناريو سيؤدي إلى تدويل أوسع للأزمة، ويُدخل الإقليم في دوامة نزاعات طويلة الأمد يصعب ضبطها.

3- تهديد تطويق القرار العُماني
 • تضييق المجال الجغرافي البري يحوّل الجغرافيا إلى أداة ضغط سياسي صامت.
 • استمرار هذا الواقع قد يُفضي إلى تبعيات غير معلنة في ملفات الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية.

التقدير: 
الخطر لا يكمن في قرار قسري مباشر، بل في تآكل تدريجي للاستقلال الاستراتيجي يصعب عكسه لاحقاً.

ثالثاً: السيناريوهات الحرجة

السيناريو الأول:الإبقاء على الوضع الراهن
 • تعميق الانقسام اليمني.
 • تسارع تآكل الكيان القانوني.
 • تضييق إضافي على هامش القرار العُماني.

التكلفة: 
خسائر استراتيجية متراكمة دون نقطة انفجار واضحة، ما يجعل التدخل المتأخر عديم الجدوى.

السيناريو الثاني: إعادة ضبط سيادي استباقي
 • تحرك سيادي إقليمي يعيد تعريف الخطوط الحمراء للنفوذ.
 • تحجيم توظيف الفاعلين المحليين خارج الأطر الوطنية.
 • حماية الملفات القانونية السيادية.

التكلفة: احتكاكات سياسية قصيرة الأمد مقابل استقرار استراتيجي طويل الأمد.

السيناريو الثالث: الانزلاق إلى صراع سيادي مفتوح
 • تفجر ملفات الحدود والشرعية الدولية.
 • تدويل واسع للأزمة.
 • انهيار قواعد الاستقرار الإقليمي.

التكلفة: غير قابلة للتقدير، وتمتد لعقود.

رابعاً: خيارات القرار السيادي 
الخيار الأول: تثبيت السيادة القانونية
 • تحصين اتفاقيات الحدود قانونياً ودبلوماسياً.
 • منع أي واقع نفوذ يُستخدم لاحقاً كورقة قانونية.

الخيار الثاني: كبح الفاعلين الوظيفيين
 • إعادة ضبط العلاقة مع الفاعلين المحليين وفق معايير سيادية صارمة.
 • نزع الشرعية السياسية عن أي كيان يعمل خارج الإطار الوطني.

الخيار الثالث: تحصين القرار العُماني
 • توسيع هامش المناورة الجيوسياسية عبر شراكات متعددة الاتجاهات.
 • تحويل الحياد من سياسة إلى أداة ردع ناعمة.

خامساً: التوصيات السيادية الحاسمة
 1. التعامل مع الملف اليمني كقضية سيادة إقليمية لا كأزمة سياسية داخلية.
 2. اعتبار اتفاقيات الحدود خطاً أحمر غير قابل للتسييس أو التفاوض غير المباشر.
 3. تحصين القرار العُماني عبر استراتيجيات استباقية لا ردود فعل متأخرة.
 4. إدراك أن الفاعلين المحليين المرتبطين بالخارج يمثلون مخاطر استراتيجية لا شركاء مستدامين.


الخلاصة الاستراتيجية:

إن اللحظة الراهنة ليست لحظة إدارة أزمة، بل لحظة قرار سيادي. فإما إعادة ضبط النفوذ وفق قواعد السيادة والقانون، أو القبول بانزلاق تدريجي نحو واقع إقليمي تُدار فيه الدول من هوامشها لا من عواصمها.

التاريخ لا يعيد إنذاراً ثانياً
يا حكام السلطنة.

آخر الأخبار